الجمعة، 8 أغسطس 2008

الــمخُــرّمـون فى الأرض (قراءة فى ثقافة الخروم)


لسبب ما (لا أعتقد أننى أهضمه بالكامل) , و لحكمة ما (لم يتوصّل إدراكى القاصر لأن يصل إلى قناعة بها) , فإن الإنسان على ما يبدو كان منذ قديم الأزل مولع بثقب جسده و إحداث خروم به.



يقولون - و كما درج الإعتقاد - أن تخريم الجسد و ثقبه إنما كان ممارسة بشريّة هدفت منذ أول وهلة مورست فيها بالتاريخ الإنسانى إلى التجمّل و التزيّن بالحلىّ التى يتم تثبيتها فى تلك الثقوب (و هو ما جعل الثقب و التخريم يتركّز على الأذن و الأنف) , و لكننى من جهتى لا أهضم تعامل الإنسان مع جسده بذلك القدر من القسوة الذى يجعله يقدم على "اللعب فيه" و تشويهه بإحداث خروم مستديمة به.



ما علينا.....


فرغم عدم إقتناعى بدواعى و مبررات هذه الممارسة , إلاّ أنها - و على أى حال - ظلّت دائماً فى إطار و حدود المعقول الذى يجعل من الممكن لى أن أتعامل معها على أنها عادات تراثية فرضت بتجذيرها لممارستها ثقافة ما فى الوعى الجمعى البشرى بما يخلق مساحة لا بأس بها داخلى من القدرة على تقبّلها دون الكثير من الإشمئزاز (فقد كانت تدور على أى حال فى فلك حلق متدلّى من أذن أنثى أو خرزة تلمع فى أنفها..... و ظلّ تغلغل ثقافة الخروم ثابتاً على هذا السقف لقرون طويلة).


و لكن....

يبدو أن تطوّر علوم الفلك و الفضاء فى العقود الماضية (و الذى جعل آفاق الإدراك الإنسانى تتسع لتجعل الثقوب السوداء و ثقب الأوزون جزءاً من محيطه المعرفى) قد شجع الإنسان على أن يخطو خطوات عملاقة فى طريق تنميته لثقافة الخروم التى أصبح مهووساً بها و شغوفاً برفع سقف ممارستها حتى وصلت إلى الدرجة التى لم يعد بإمكانى تقبلها دون دهشة عظيمة أو إشمئزاز كبير أو فشل ذريع من جانبى فى تفهّم و هضم شتى ضروب ممارستها و لقد بدأت رحلة تعلية سقف ثقافة الخروم و توسيع قاعدتها منذ ما يقارب الثلاثة عقود بتطوير ممارسة خرم الأذن الإعتيادية و توسيع مساحة إنتشارها ليدخل الذكور فى معمعتها , و بدأنا نحتاج إلى دليل(manual)كجداول مندلسون لكى نفك شفرة و معانى طريقة لبس الحلق فى الأذن , فإذا لبسه رجل فى الأذن اليسرى فهو "واد" Punk , و إذا لبسه فى الأذن اليمنى فهو يعلن لنا بكل فخر عن أنه شاذ( gay) , و إذا إرتدى حلقاً فى كلاّ من أذنيه فهو رجل ملتى سيستم ... توماتيكى توماتيكى (Bisexual) , و إذا أحدثت الفتاة خرمين فأكثر فى نفس الأذن فإنها تعلن بذلك عن أنها سهلة المنال ...إلخ إلخ إلخ من تلك الرسائل التشفيرية التى تذكّرنى برسائل التليفونات المسجّلة (إذا كنت تريد خدمة العملاء إضغط 124 متبوعاً بزر النجمة , و إذا كنت تريد المبيعات إضغط على 126 متبوعاً بزر المربع ثم زر النجمة ثم ضع السماعة و حاول إعادة الإتصال لاحقاً ).



و رغم هذا التطوير الكبير فى لغة خروم الأذن , إلاّ أن المجتمعات الغربية على ما يبدو نظرت إليها على أنها لم تكن سوى المدخل الذى مكّنها - بلا فخر - من دخول عالم الخروم الرحب.


و هكذا...

أصبح كل شبر فى جسد الإنسان قابلاً للخرم .


فهذا المعتوه قد خرم لسانه ليضع به ما يمكّنه من دغدغة سقف حلقه طوال الوقت (و لا أدرى كيف يأكل هذا البَجَم بأريحيّة و ذلك الخازوق الذى قام برشقه فى لسانه يحتل تلك المساحة فى تجويف فمه) , و هذه المختلّة تحمّلت الكثير من الآلام لتقوم - ربنا يكمّلها بعقلها - بخرم حاجبها لكى تتمكن من وضع حلقة أو أى بلاء أزرق به , و ذلك الأهطل - ربنا يحميه لشبابه - خرم حلمة ثديه (إعفونى من إدراج الصورة ) , و تلك الحمقاء خرمت شفتهاو إذا كنت لا أستطيع إستشفاف الحكمة من إحداث كل هذه الخروم , و إذا كنت عاجزاً عن فهم أساسيّات ثقافة الخروم , فإن أكثر ما يحيّرنى هو أننى لا أجد إجابة شافية لتساؤل بسيط حول كيفية إتساق الثقافة التى تشن حرباً ضروساً على الأتومايزر و السبراى إلا إذا كان صديقاً للأوزون و لا يتسبب فى خرمه مع تلك الثقافة التى لا تصادق الأبدان و تتسابق إلى خرمها حتى أصبح الــ piercikg صرعة تنتشر كالحمّى فى المجتمع الغربى (مع إرهاصات لا زالت تحبو فى مجتمعاتنا ).



يبدو أن ثقافة الخروم ليست معنيّة بخروم الجسد بقدر ما هى معنيّة بخروم العقل.



و لله فى خلقه شئون.

ليست هناك تعليقات: