الجمعة، 8 أغسطس 2008

قراءة فى ثقافة الكراكيب....و سر السندرة الرهيب

عندما يذكر أحدهم كلمة "الكراكيب" امامك , فإن الصورة البصريّة التى تتولّد فى عقلك تكون صورة تمتزج فيها الفوضى بالزحام بالإرتباك فى "كولاج" ذهنى قد يصل فى تضخيمه لمدى فوضى تلك الكراكيب إلى إحساس بالإبحار وسط أمواج عاتية من المخلّفات و الأشياء عديمة الفائدة , و تصبح تلك الصورة الذهنيّة أكثر ثقلاً على النفس إذا ما إمتزج تصوّر فوضى و تزاحم الكراكيب بكونها ترتبط بشكل أو بآخر بعدم النظافة.
و لكن.....
ربّما كان للكراكيب مفهوم أكثر عمقاً من مجرّد فوضى و زحام لأشياء ما فى حيّز مكانى ما.و لعلّ تفهّم ما أقصده بتلك الكراكيب (التى يتأصّل لها داخل الوعى الإنسانى ثقافةً )يستلزم أن ندرك المفهوم الأعم و الأشمل لمصطلح"الكراكيب".
قد يوافقنى بعضكم فيقول لى : نعم..... فهناك كراكيب ورقيّة (تشمل الكتب و الصحف و المجلاّت و القصاصات....إلخ إلخ) , و هناك كراكيب خزفية , و كراكيب معدنية , و هناك كراكيب العلب , و كراكيب المخلّفات و الحاجيّات الغير مستخدمة , و هناك كراكيب الهدايا المهملة , و كراكيب الأطفال , و كراكيب مقتنيات المراهقين و المراهقات التى يهجرونها عندما ينضجون و يتزوجون و يتركون منزل العائلة , و هناك كراكيب الأجهزة الإلكترونية المعطبة....إلخ إلخ
و لكننى أقول أن كل هذه الأنواع من الكراكيب لا تصب إلاّ فى خانة تصنيف "كركوبى" واحد فقط , و هو تصنيف كراكيب المنزل........بينما هنالك أيضاً :
= كراكيب الجسد
= كراكيب الذهن
=كراكيب العاطفة
= كراكيب الروح
و لعل عدد كبير من الناس لا يدركون خطورة تغلغل ثقافة الكراكيب , و لا يعون أهمّية خلق المساحات الرحبة داخل منازلهم و أجسادهم و أذهانهم و عواطفهم و أرواحهم.
فــ"الكركبة" هى أحد أهم ثلاثة عوامل تؤدى إلى إحتباس و إختناق طاقة الجسد البشرى (و أحد العاملين الآخرين هو الإتساخ المادى - كالقمامة و الأتربة و الشحوم و القاذورات.....إلخ إلخ من تلك الإتساخات المادية التى لا بد و أن يحدث حولها تراكم لإحساس البشر بالهبوط و الترهّل و الطاقة منخفضة المستوى - , أما ثانى هذين العاملين فهو ما يسمّى بالطاقة السالفة - أى أن يكون ما يحدث فى مكان أو حيّز ما منقوشاً على حوائطه و جدرانه و أرضيّاته و أثاثه , و إن كانت تلك النظريّة تشطح بعض الشيئ إذ تفترض أنك لو إنتقلت للعيش فى منزل كان سكّانه السابقون سعداء فربّما إزدادت إحتماليّات شعورك بالسعادة و العكس بالعكس - ).
دعونا الآن فى الكراكيب التى وعت و أدركت الثقافة التراثية الصينية أهمية نسفها و التخلّص منها , و ذلك حين إبتدع الصينيّون ما يعرف بالــ "فينج - شوى" (و هو تعبير يعنى الرياح و الماء) , فالــ"فينج - شوى" طريقة صينية تقليدية قديمة تعتمد على تنظيم و ترتيب العالم الإنسانى و الإجتماعى بطريقة تحافظ على الطاقة الإنسانية و تجدّدها فى تناغم مع القوى الكونيّة.
إسمحوا لى بأن أصحبكم فى جولة معى فى هذه القراءة فى ثقافة الكراكيب:
دعونا مبدئيّاً فى مجال الحديث حول الكراكيب بمفهومها المتداول و الشائع..... أى كراكيب المنزل.
فكراكيب المنزل تنتمى إلى 5 أنواع رئيسية :
= أشياء كثيرة فى حيّز مكانى صغير
= أشياء غير مرتّبة أو فى حالة فوضى
= أشياء لا تستخدمها ولا تحبّها
= أشياء معطوبة أو ناقصة أو غير مكتملة
= أشياء لا تحتاجها و لكنك تعتقد أنك قد تحتاجها لاحقاً
أعتقد أن معظمنا لا يدرك كم تؤثر عليه الكراكيب , و لكننى واثق أن معظمنا سيجد أن شعوره سيصبح أفضل بدون تلك الكراكيب عندما يبدأ بالفعل فى التخلّص منها ( و هو الشعور الذى أدين لزوجتى بالفضل فيه بعد أن تحوّلت معها من أسير كراكيب المنزل التى كنت أقوم بتبويبها و تصنيفها لتصبح كراكيب منظمة على غرار نظرية كوندوليزا الخاصة بالفوضى الخلاّقة , أقول تحوّلت إلى إنسان متحرّر من عبوديّة الكراكيب التى إكتشفت أنها تمثل أحد ألد أعداء زوجتى فى بداية الزواج حتى أصبحت ألد أعدائى أنا الآخر الآن).
و الآن...دعنى أسألك :
- ما حجم الكراكيب بمنزلك؟؟؟
- أين تحتفط بكراكيب منزلك؟؟
- منذ متى و أنت تحتفظ بتلك الكراكيب؟؟
- ماهى آخر مرّة إستعملت كركوبة منزليّة أو حتى ألقيت عليها نظرة مقرّبة؟؟
إن علينا أن نسأل أنفسنا : لماذا نحتفظ بالكراكيب فى منزلنا؟؟؟
ربّما لشعورنا بأننا قد نحتاج إليها يوماً؟؟؟
أو ربّما بسبب تمسّكنا بهويّتنا (أى أننا قد نعتقد بأن ملامح هويّتنا قد تتبدّى فى تلك المقتنيات المكركبة المهملة؟؟
أو ربّما بسبب رغبتنا فى إمتلاك ما يمتلكه آخرون حتى ولو لم نكن نستخدمه؟؟
أو ربّما بسبب غريزة حب التملّك البشريّة الضاربة بجذورها فى عمق التاريخ؟؟
أو ربّما بسبب إحتياجنا للشعور بالأمان و الخوف من إفتقاد الشيئ حين الحاجة إليه و بأن الإحتياج شهوة لا تتوقف و لا تنتهى؟؟
أو ربّما لأننا أوفياء العهد لكراكيب الوالدين و الجدود المتوارثة؟؟
أو ربّما بسبب البخل؟؟
أو ربّما بسبب سد الفراغ العاطفى و إجترار الذكريات؟؟
أو ربّما بسبب الإيمان العميق - و الخاطئ- بأنه كلما كانت المقتنيات أكثر كلما كان الإحساس بالإنتشاء أكبر من باب أن الأكثر هو الأفضل؟؟
أو ربّما لأن الكركبة فى ذاتها نمط سلوكىّ سائد؟؟
أيّا كان السبب , فإننى أرى أن الكركبة سلوك به الكثير من خواص و سمات الإدمان , فهناك أشخاص يحتفظون فى وكر كراكيب المنزل ( المعروفة فلكلورياً و تراثياً بــ"السندرة") بكل جريدة أو مجلّة أو شنطة بلاستيكية أو حذاء مهترئ أو ساعة متهالكة أو حتى فواتير الشراء و تذاكر المسرح و السينما.
إن الكراكيب إدمان........و علّة..... و مرض.
إنها علّة تؤدى بنا إلى الشعور بالكسل و التعب و الإرهاق و الإحباط , و تجعلنا نعيش فى الماضى , و تحبس الطاقة فى منازلنا و فى أبداننا , و تؤدى بنا إلى التقاعس و سريان شعور بإنخفاض العزم و الهمّة داخلنا عندما يسهل دائماً علينا التعامل مع أى شيئ عن طريق كركبته و رميه فى السندرة.
إنها مرض يصيب البشر بحالة خوف و هلع مرضى من إحتمال الحاجة إلى تلك الكراكيب فى يوم من الأيّام , فإذا بهم يحوّلون منازلهم - التى من المفترض أن تكون ملاذهم من ضغوط العالم الخارجى - إلى كوابيس قاتمة خانقة يصنعونها هم بأيديهم.
إن علاج هذا المرض الوحيد هو........ التخلّص من تلك الكراكيب
و الآن:
هل تعرف الطريقة المثلى؟؟؟
دعنى أساعدك , و ليكن شعارك :جلاء الكراكيب التام....أو الموت الزؤام
دعنا أولاّ نضع خطة العمل:
سنتتبع فى البداية أماكن تجمّع الكراكيب فى موطنها الأصلى و بيئتها الطبيعية..... ثم...... ننقض عليها و نمزقها شر ممزّق
إن الكراكيب تتكاثر و تنتشر السندرة , و مخزن المطبخ (الأوفيس أو غرفة السيرفيس) , و بدروم المنزل و سطحه (إن كان أيّا منهما ملحقاً بمنزلك) و أدراج الدواليب المهملة فى المطبخ و غرفة المعيشة , أدراج النيش و المكتبات الصغيرة بغرفة الجلوس (الصالون) , و تحت الأسرّة , و فوق الدواليب , و التسريحات , و الشيفونيرات , أما أكثر الأماكن التى تعج بالكراكيب و تعتبر مستعمرات كارثية لها فهى المطبخ و الجراج (إذا كان لديك جراج خاص )... و الجراج بالذات قنبلة كركوبية شديدة الإنفجار
و الآن.....و بعد أن رصدنا أماكن تجمّع العدو الكركوبى المقيت...... فــــ..... الجهاااااااد.....هجووووم
و....إلى خطة و تكتيك المعركة :
= إبدأ بكتب الأطفال الغير مستخدمة لسنوات طوال إذا كان أطفالك قد تعدّوا مرحلتها السنية و كنت لا تفكّر فى الإنجاب مرّة أخرى ( و إجعلها تبدو كهدايا تسعد أطفال أصدقائك أو أقاربك).
= لا مانع من أن تعرج على كتب الطهى و الطبخ الخاصة بزوجتك و التى لم تفتحها ول ولمرة واحدة منذ إشترتها قبل الزواج و إكتفت بطبق الرز و ورك الفرخة المحمر بعد أن كانت تمنّيك بيخنى البتلّو و الخرشوف على الطريقة الأسبانية أو بطاجن الحمام بورق اللاورى على الطريقة المغربيّة و البكش اللى إنت كنت هارشه من الأول طبعاً
= قم بالإنقضاض على المراجع و الكتب التى لم تفتحها منذ سنوات أو وجدتها دمّها ثقيل و لم تجد الرغبة فى إكمالها (يمكنك التخلّى عن الكتب التى كانت تؤثر فيك بعنف بعد أن أصبحت خلاصة محتواها جزءاً منك ولم تعد بحاجة لمطالعتها , و إن كان من المفضل بالطبع الإحتفاظ بالكتب التى تراها تعبر عن شخصك الآن أو عن شخصك كما تريد فى المستقبل).... و بخصوص الكتب فإن إهداء الأصدقاء و المعارف هذه الكتب حل سحرى , و إن كان حلاً قد يمثل تصدير لكراكيب لتكركب بيت معارفك , و لذلك فإن الحل الأكثر كمالاً و جمالاً هو إهداء هذه الكتب لأقرب مكتبة عامة من مسكنك , فستضمن بذلك إستفادة الآخرين منها كما ستضمن الإطمئنان إلى أنك عندما تريد مطالعتها فإنك سيمكنك إستعارتها.
= و الآن....... إلى الملحمة الأخيرة فى المعركة...... أيها المغاوير.......إهجموا بعنف و شراسة لا هوادة فيها على أدوات التمارين الرياضية التى لم و لن تستعملها (حتى بص لكرشك و إنت تتأكّد ), و النظارات الطبية التى لم تعد مناسبة لمقياس نظرك و النظارات الشمية المكسورة و الصدئة و الملخلخة(إرمى يا راجل بلا هم ) ,و قطع غيار سيارتك القديمة و التالفة و التى قمت بإستبدالها بأخرى جديدة (مش عارف بتنيّل إيه فى جراجك أو سندرتك ) , و الراديوهات الترانزستور التالفة أم 5 جنيه(مش عندك دش و ستيريو , والاّ هيّه فراغة عين؟؟ ) , و الأشياء و الأغراض التى لا تحبّها (ما دام ما بتحبّهاش ماسك فيها ليه يا غلس , سيب اللى بيحبّها يستنفع ) ,و الآلات المنزلية الخربانة و المعطوبة (عصاية المقشّة المكسورة دى بتعمل إيه بذمّتك فى المطبخ؟؟ ) , و الخزفيات و الأشياء المكسورة (بقالك 10 سنين بتقول حتشترى أمير ألفا و تلحمها ) .
و....لا تنسى تلك الأشياء الهلامية الغامضة الضبابية غير واضحة المعالم أو الملامح(أجسام معدنية غريبة لا تعرف فائدتها أساساً , أرفف خشبية لدواليب تخلّصت منها أساساً , أكياس بلاستيكية سوداء بداخلها أشياء أبسط ما توصف به أنك لا تعرفها....إلخ إلخ)
= ثم.....إستمتع بإنتصارك على عدوّك الكركوبى و أنت تطارد فلول صناديق الأجهزة الكهربائيّة التى إنتهت مدة ضمانها و ظللت تحتفظ بصناديقها (اللى زى الداهية) بحجة أنك قد تحتاجها إذا ما قررت التعزيل إلى بيت آخر (يا عم رووووووح....... حوش الشقق و الفلل اللى بتتحدف عليك كل يوم )
عزيزى المتحرر من عبودية و قهر و إحباط الكراكيب:مبروكلقد إنتصرت على كراكيب منزلكو لم يعد أمامك الآن...... إلاّ أن تنتصر على باقى كراكيب حياتك
تعال معى الآن ......... و دعنا نشن حرباً على كراكيب جسدك و ذهنك و مشاعرك و روحك فى إطار حملة تطهير و تصفية ثقافتك الكركوبيّة.
فيما يخص كراكيب الجسد فإن جسمك فى واقع الأمر هو ماكينة معقدة للغاية فى التشغيل , فالجسد يستقبل ما تأكله ليمتص منه ما يحتاجه ثم يطرد الباقى عن طريق القولون و الكليتين و الرئتين و الجلد و الغدد الليمفاوية .
و لهذا...... لا تدع الكراكيب تتراكم داخل جسدك و تخلّص منها أولا بأول عن طريق ممارسة الرياضة و الإبتعاد عن المأكولات السريعة و المقلية و الحرّيفة و الشيكولاتات و المياه الغازية و الكحوليّات , و لاتنسى تصفية كراكيب القولون (التى هى صفائح مخاطية فى الغالب) عن طريق الإكثار من تناول الأعشاب الطبيعية كالكراوية و الينسون و النعناع.
أما عن كراكيب الذهن فإن التخلّص منها يكون بالتوقف عن ترديد الشائعات و النميمة , و عن القلق الدائم , و عن إنتقاد الآخرين و ملاحقتهم بإتهاماتك و إصدار الأحكام ضدهم و النبش خلفهم , و عن الثرثرة , و عن تأجيل أعمال يومك إلى غدك , و عن الشكوى و النواح و التبرّم .
من جهة أخرى.... يظل هناك أهمية قصوى للتخلّص من الكراكيب العاطفية عن طريق تفادىالإنخراط فى علاقات غير مريحة مع أشخاص لا تنسجم معهم أو تتحملهم أو تبذل مجهوداً فوق طاقتك لإرضائهم أو إحتوائهم , إذ أن إحتفاظك بهكذا علاقات إنما هو إصرار على كركبة ذهنك بما يجعل مستوى طاقتك الذهنية فى هبوط مستمر .
و لا يبقى أمامك بعد كل ذلك سوى التخلّص من كراكيب روحك , فإزالة كراكيب الروح هى عملية تهدف إلى إزالة الأنقاض و الكراكيب و العوائق التى تحول بينك و بين الله و تعرقلك عن التواصل معه و الإطمئنان إلى أنه دائماً بجانبك و يحبّك و يعتنى بك , و هو ما لن يتأتى إلا بالعودة إلى ذاتك و خلق مساحة رحبة داخلك من أجل إسترداد المساحات التى كانت تشغلها كل كراكيب حياتك و ذهنك و عاطفتك و روحك.
عزيزى......
تخلّص من ثقافة الكراكيب , و انسف سندرة منزلك و جسدك و روحك و عاطفتك و مشاعرك.

ليست هناك تعليقات: