الجمعة، 18 أبريل 2008

و رحمة أمى ما حدّ فاهم حاجة

جملة.....قصيرة.....بسيطة......عفوية......شاهدتها على التريلاّ التى تمرق أمامى وقد كتبها سائقها عليها من الخلف :
و رحمة أمى ما حد فاهم حاجة
جملة إستثارت ضحكى للوهلة الأولى
ثم...
إستثارت التفكير العميق لأكتشف أن سائق التريلاّ رغم بساطته...إلاّ أن الجملة التى كتبها تحتوى على خلاصة الحكمة التى لا يمكن لأكثر العقول تنويراً الوصول إلاّ إليهافعندما نتفكّر فى هذه الجملة فإننا نتفكّر فى الإنسان فى حد ذاته و فى قدراته العقلية على فهم ما يدور حوله و فى تحليل الأحداث المتدفقة فى هذا العالم.
الانسان.... ذلك المخلوق الذى يعيش فى كون تموت وتنفجر وتولد وتبعث فيه نجوم بأعداد لانهائية
ذلك الكائن الفيزيائى الذى يقطن الكوكب الثالث لشمس صغيرة فى درب المجرّة
ذلك الصورة من صور الحياة الذى يسكن كرة كوكبية تدور فى كبد السماء حول كرة من نار اتضح أنها نجم قزم ضائع بين مليارات النجوم ومعزول فى طرف حجرة ريفية صغيرة
ذلك الكائن البيولوجى ذو الدماغ الأكثر نموّا بين الكائنات المعروفة (له هو على الأقل) والممثّل لأكثر فروع التطوّر الحيوانى ذلك الانسان الذى يسمّى نفسه بالكائن العاقل العارف والذى يمتلك قدرات خاصة على حل المسائل وفك الألغاز وتأمّل الأسرار
ذلك الكائن الذى يكوّن مع باقى أفراد فصيلته أجزاء متداخلة تكوّن تجمّعات ومجتمعات عملاقة له تسمّى "أمما" ليجد نفسه تابعا لها بمعايشته ومستقلاّ عنها بكينونته ذلك الانسان...
هل يعرف حقّا من هو؟؟؟
هل يعرف حقّا أين هو الآن؟؟؟
هل يعرف حقّا الى أين يمضى؟؟؟
نحن.....البشر....
هل نعرف حقّا الى أين يمضى كوكبنا؟؟؟
هل نعرف حقّا الى أين يمضى الكون الذى نحن وكوكبنا جزء منه؟؟؟
هل نعرف حقا متى وكيف ستنتهى الحياة على كوكبنا؟؟؟
هل نعرف حقا كيف ستستحيل شمسنا؟؟؟ هل نعرف حقّا ما اذا كان للحياة معنى؟؟؟
هل نعرف حقّا ما اذا كانت تلك الحياة تعطى معنى لنوعية وجودنا؟؟؟
هل نعرف حقّا من نحن؟؟؟
وهل نتصوّر العلاقة بين طبيعتنا وثقافتنا؟؟؟
هل نعرف حقّا العلاقة بين حيوانيّتنا وانسانيّتنا؟؟؟
هل نعرف حقّا ما هو التعقّل وما هو الجنون؟؟؟
هل نعرف حقاً ما هو الذى يتعارض بينهما أو الذى يربط بينهما؟؟؟؟
نحن ....البشر.....
هل نعرف حقّا ماهى الدول أو الأمم ( تلك التى تنسج حياتنا وننسج نحن تاريخها)؟؟؟؟
هل نعرف حقّا لأى شيئ يخضع التاريخ؟؟؟؟
هل يخضع للقوانين؟؟؟
أم للضرورة؟؟؟
أم للصدفة؟؟؟
أم للنزوات؟؟؟
أم لكل ذلك معا؟؟
أم لكل من ذلك بالتناوب؟؟؟؟
هل نعرف حقّا ما اذا كان تاريخ الانسانيّة فى فجر هذه الألفية يأخذنا الى انجاز عظيم غير مسبوق أم يأخذنا الى افلاس كلّى غير مسبوق؟؟؟
هل نعرف حقّا ما اذا كان عالمنا هذا يمضى برباطة جأش وخطوات واثقة نحو النمو والتقدّم رغم الهزّات المؤقّتة والأزمات الموضعية؟؟؟
أم أن عالمنا هذا قد أفرز أفكار تقدّم ونمو ضلّلتنا لتقودنا بوثبات سريعة نحو الكوارث والفناء؟؟؟
هل نعرف حقّا ماذا حدث لنا فى القرن الماضى؟؟؟
هل نعرف حقّا أكثر من أننا نتذكّر أن ذلك القرن قد تخلّلته دون انقطاع حروب واضطهادات وأزمات وأنه قد دمّرته مجزرتان عالميّتان هائلتان محت ثانيتها معالم الأولى من الذاكرة وأصبحت صورة تلك الثانية فى طريقها لأن تمحى من الذاكرة ونحن فى طريقنا الى مجزرة عالمية ثالثة محتملة ستكون قطعا الأبشع لدرجة أنها ربّما قد تكون الأخيرة؟؟؟؟
هل نعرف حقّا ما اذا كانت الحرب العالمية الأولى قد نجمت عن صدام الأمم والامبرياليّات والرأسماليّات كنتاج كان يمكن تفاديه أم كنتاج كان لابد من الوصول اليه بدليل أنه قد نجم عنها ثورة أكتوبر والستالينية والنازية والفاشية؟؟؟
هل نعرف حقّا ما اذا كانت الامبريالية هى الدرجة الأعلى من الرأسمالية أم أنها الفكرة المؤسسة للرأسمالية أم أنها المرحلة التى لابد وأن تتلوها؟؟؟
هل نعرف حقّا ما اذا كانت الرأسمالية نظام أم كائن واقعى مزوّد بالحياة أم أسطورة استحالت واقعا أم وحش بأجنحة الملائكة أم ملاك بقرون الشيطان أم أنها كل ذلك معا؟؟؟؟
هل عرفنا حقّا ماهى النازيّة بعد كل هذه العقود من اندحارها واحتضارها؟؟؟
هل عرفنا حقّا ماذا كانت عليه الستالينيّة؟؟؟
وهل عرفنا حقّا ماهو ذلك المجتمع الذى كان يسمّى سوفييتيا والذى لم يكن فيه للسوفييت أى سلطة فى الواقع؟؟؟؟
هل عرفنا حقّا ماهى تلك الدولة التى وصفت نفسها بأنها عمّالية رغم عدم استطاعة العمّال القيام بأى اضراب فيها؟؟؟
نحن....البشر.....
ألا يجدر بنا أن نسأل أنفسنا :
ألم تتوفر لنا من المعلومات والاتصالات الفورية والعالمية مالم تعرف الانسانية قط من قبل؟؟؟
أليس لدينا معرفة وعلم بالانسان والمجتمع والتاريخ وهى كلّها ناميات نموّا خارقا؟؟؟
ألا يتوافر لنا التحليلات النفسية والسوسيولوجية التى تسمح لنا بتمييز الواقع الحقيقى عن الايهام وتمييز الأيديولوجيا عن الأسطورة؟؟؟
و....طالما كانت الاجابة بــ"نعم" فإن السؤال يكون :
هل تسهم كل ضروب الاعلام والاتصال والمعرفة والعلم والكشف فى تنويرنا حقّا أم أنها تقوم بتضليلنا فى الواقع أثناء تنويرنا؟؟؟
عزيزى....
اذا كنت لا تستطيع الوصول لما أعنيه فاننى ألخّص كل ذلك فى أننى أرى أن مايحدث لنا فى العالم الآن هو أننا أصبحنا لانعرف حقّا مايحدث لنا , بل و أزعم أن ذلك الرجل البسيط كان أكثر بلاغة من أحكم الحكماء عندما كتبها على التريلاّ :
و رحمة أمى ما حد فاهم حاجة

بين "شارل" الـ"فرانسستان"..و تباتة حكّام "فسادستان"

يحكى أنه كان هناك بلاد تدعى ببلاد الفرانسيستان , و أنه كان يحكمها "جنرال" أفنى حياته فى البذل و العطاء من أجل بلاده .و فى يوم من ذات الأيّام منذ أربعة عقود إلا عامين - و بالتحديد فى عام 1969 - , فاز "الجنرال" بانتخابات الرئاسة فى بلاده , إلا أنه - و نظراً لأنه إنسان يحترم ذاته كما يحترم شعبه , و لأنه "حسيس" - , فقد قرر عدم قبول المنصب , و أعلن إستقالته و اعتزاله للحياة السياسية لا لشيئ إلا لأنه رأى أن النسبة التى فاز بها فى الإستفتاء الرئاسى غير ملائمة و لا ترضيه أو تشعره بالإطمئنان و الإرتياح إلى رغبة شعبه الحقيقية به , فاعتبر "شارل ديجول" تلك النسبة بمثابة رفض مهذب و خجول من شعبه له..... فحمل عصاه و رحل .... بــ"شياكة" - و هو من هو بالنسبة لبلاده - .
إن عقد مقارنة بين شياكة "شارل" فى بلاد الفرانسيستان و تباتة آخرين فى بلاد "فسادستان" لا يمكن إلا أن يخرج منها من يعقد تلك المقارنة إلا بالشعور بأن ....
بأن.......
بأن.........
الإحساس نعمة

جورجيا بشرطة

عند متابعتى لـ"حصاد اليوم" على قناة الجزيرة لفت إنتباهى بشدّة خبر عابر على هامش التوترات المزمنة بين روسيا و جورجيا خلال الأعوام الخمس الماضية (و هى تلك التوترات التى أصبحت بمثاب الخرّاج المزمن الذى يلتهب إلتهابات حادّة متكررة بين الفينة و الأخرى قبل أن يتم التعامل معها بجرعات عالية من المضادات الحيوية التى و إن أفلحت فى إخماد الإلتهابات الحادة إلاّ أنها تفشل فى نهاية المطاف فى أن توفر شفاءً تاماً و كاملاً للخرّاج المزمن الذى يظل "ينقح" طالما ظل "كهف" الخرّاج الكامن فى أعماق الأنسجة متواجداً و جاهزاً للإمتلاء بالصديد كلّما إنخفضت المناعة أو دخل الدورة الدمويّة جرثومة تؤدّى إلى تهيّج و إحتقان الأنسجة المجاورة للخرّاج....و بذلك لا يمكن الشفاء من هكذا "خراريج" إلاّ بالتدخل الجراحى و بأسلوب "وجع ساعة ولا وجع كل ساعة").
و عودة إلى الخبر الذى كان مفاده أن الخارجية الروسية أصدرت بياناً تحذر فيه "جورجيا" من إستمرارها فى تحرّكاتها "المدعومة" من أجل عرقلة جهود روسيا للإنضمام لمنظمة التجارة العالمية (و بالطبع فإن وصف "المدعومة" هذا لم يكن فى واقع الحال سوى إستمرار للتلميحات الروسية – التى تكاد أن تصل إلى حد التصريح- بخصوص قيام جورجيا بأداء دور مخلب القط أو مسمار جحا لصالح ماما أمريكا من أجل "قريفة" روسيا و "التغتيت" عليها لتلعب جورجيا بذلك دوراً مشابهاً للدور الذى تلعبه تايوان مع الصين لصالح أمريكا.بالطبع لا يمكننى التشكك و لو للحظة واحدة أن أحداث 11 سبتمبر كانت فرصة ذهبية لا تعوّض للولايات المتحدة لتعيد صياغة إستراتيجيتها العالميّه بشكل يضمن لها إستمرار حالة أحاديّة القطبيّة التى فرضتها على العالم منذ عقدين من الزمان ، ولعل منطقة آسيا الوسطى ظلّت الكابوس الذى يقضّ مضجع الإدارات الأمريكيّه المتعاقبة (إذ أنها هى تلك المنطقه التى تعد المدخل الطبيعى لدول شرق أوروبا , وهى أيضاً المنطقه التى تجمع أو تشرف جغرافيّا على كل القوى النوويّة المعلومة و المرصودة سلفاً مثل روسيا والصين والهند وباكستان , بل و أيضاً تلك التى يعتقد بأنها نجم صاعد فى مجال إقتناء امكانيّات نووية مثل ايران).
ولعل مكمن الخطورة على ماما أمريكا ليس فقط وجود دول تقتنى أسلحة نوويّه, بل أن مكمن الخطورة الحقيقى هو أن هذه الدول مناوئة لأمريكا (إمّا على صعيد الأيديولوجيّه أو على صعيد تضارب المصالح أ- و فى كلاهما كما هى حالة الصين التى يزيد عليها أيضاً إعتبارات تنافسيّة على مسار الإقتصاد والزعامة التجارية و الصناعية الدوليّة باعتبار الصين هى المرشّح الأول لكسر حالة القطبيّة الأحاديّة الأمريكية-).
ولهذا...فإنه من السهل أن نعى أن التمركز فى وسط آسيا كان هو المحور والغرض الرئيسى من الحملة العسكرية الأمريكية على أفغانستان ، فأفغانستان لها أهمية إستراتيجية كبيرة ، حيث تعد هى المفتاح السحرى بالنسبة لمنطقة وسط آسيا كما أنها هى "البطن الطرى" لروسيا, يعنى بالبلدى كما قال فؤاد المهندس:"العتبة الجزاز" لوسط آسيا التى تضم دولاً مهمة متصلة جغرافياً ومشرفة على مواقع إستراتيجية أمنياً واقتصادياً. ولعل اشكاليّة أمريكا الحقيقيّه قد بدأت تتضح عندما إكتشفت أن تلك الدول لم تبدأ فقط فى تعزيز إستقلاليتها عن دائرة "الهيمنة" الأمريكية ، بل أيضاً بدأت فى إقامة علاقات تفاعل وتكامل -بل وشراكة- ليس فقط فيما بينها بل و مع دول قريبة منها جغرافياً ، وهى العلاقات التى من شأنها أن تعزز استقلالية دول شرق أوربا عن الولايات المتحدة ( خاصّة فى ظل الإلحاح والتصميم البادى منذ منتصف تسعينات القرن الماضى من جانب الصين وروسيا حول ضرورة بناء عالم متعدد الأقطاب - وهو الشيئ الذى تمّت ترجمته بصورة فعليّة و واقعيّة من خلال إفشال و إحباط مخطط الإدارة الأمريكية وحلفائها لتمرير مشروع العقوبات الذكية على العراق فى السابق، وكان ذلك بالطبع نتيجة رفض بعض الدول المعنية تنفيذه على الأرض ،و بسبب تهديد روسيا باستخدام حق الفيتو-).
هذه النشاطات المناوئه لأمريكا كانت دائماً تصدر من قبل دول تعتبرها أمريكا ليس فقط ساعية لإسقاط هيمنتها الأحادية على العالم, بل و قادرة على ذلك بالفعل خلال المستقبل القريب .... و هو ما كان بمثابة جرس إنذار بالنسبة للإدارة الأمريكية فيما يتعلق برؤيتها للنظام العالمى الجديد الذى تريده ، ومن ثم فقد وفرت أحداث 11 سبتمبر مبرراً للولايات المتحدة للقيام بحملتها العسكرية على أفغانستان ، إذ من خلال تلك الحرب من جهة ، وحملة مكافحة الإرهاب من جهة أخرى , فقد توافر المبرّر والغطاء الشرعى الدولى للعمل العسكرى الأمريكى على أفغانستان والذى يراد من خلال تطويره لاحقاً التغلغل والزحف على وسط آسيا ( وهو الشيئ ذو الأ بعاد الاستراتيجية بالغة الأهميّة..... كالسيطرة على نفط بحر قزوين ، ومراقبة علاقات التعاون العسكرى النووى بين القوى الآسيوية بعين فاحصة وعن كثب ومن قلب مسرح الحدث, ثم محاولة تطويق القوى ذات الأهمية الإستراتيجية و الإقتصادية على الصعيدين الإقليمى والدولى والتى يمكن أن تشكل منافساً ومزاحما مستقبليّا للولايات المتحدة - أو على أضعف التقدير معوقاً لسعيها نحو فرض نظام دولى أحادى القطبية كانت قد وضعت ركائزه بالفعل ودخلت فى طور فرض استمراريّته-).
و إذا كانت إدارة البيت الأبيض ترى أن الخطر الذى كانت – و يبدو أنه لا زالت - تمثله طالبان يمكن تصنيفه ضمن المخاطر الكبرى على المصالح الأمريكية( تماماً مثلما تمثّل إيران و من قبلها العراق قبل غزوها تهديداً للمصالح الأمريكية فى الخليج) , فإن واشنطن تسعى فى الواقع إلى زرع نوع من الصراع الإقليمى والدولى فى أفغانستان والمنطقة المجاوره(أى منطقة وسط آسيا ) وذلك إنطلاقا من تكتيك مفاده أن من يريد السيطرة على العالم فإنه لن يستطيع فعل ذلك دون تطويق الصين ومحاصرة إيران و الاقتراب من الهند و "قريفة" روسيا ......وهو مايفسّر سعى أمريكا المحموم للحفاظ على وضعية القوة العظمى المهيمنة على أوسع رقعة ممكنة من العالم (و هو الشيئ الذى لا يمكن أن يتحقق دون إزاحة المنافسين أو محاصرتهم أو تخويفهم أو وضعهم تحت التهديد أو عرقلتهم - فيما يعرف فى المنهج السياسى الأمريكى باستراتيجية الاحتواء , وهى تلك الإستراتيجية التى حقّقت بها أمريكا نجاحا باهرا و لا يمكن التقليل من أهميته ضد إيران أولاً ثم العراق حيث تمكنت الولايات المتحدة من تطويق قوتين كانتا تستطيعان تهديد مصالحها النفطية) . وإذا كانت الولايات المتحدة قد نجحت من خلال إستراتيجية الإحتواء فى تطويق القوى الإقليمية فى منطقة الخليج العربى , فما المانع أن تنجح فى تطويق القوى الإقليمية فى آسيا الوسطى؟!
وإذا كان لنا أن نتصور نجاحاً عند إنتهاج هذه الاستراتيجيّه فيما يخص باكستان والهند , فهل يمكن لها أن تحقق نجاحاً مماثلا فى مواجهة روسيا والصين؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أشك فى ذلك........وبعنف...... و إن كنت أرى فى هذا إيذاناً بنشوب الحرب الباردة (الثانية) ومركزها هو وسط آسيا , إلاّ أن ماما أمريكا فى هذه المرّة ستكون فى مواجهة خصمين وليس خصم واحد كما كان الحال فى الحرب الباردة الأولى. وبما أن وسط آسيا هو مركز تلك الحرب الباردة المتوقّعة, فقد كان من الطبيعى أن تثار قضية أمن القوقاز‏ و آسيا الوسطي علي هامش إجتماعات قمة العاصمة التركمانستانيّه "عشق آباد" و الذي كان قد إنعقد لتسوية تقسيم الثروات القزوينية و انتهي بالفشل لتدخّل أمريكا الفج من وراء الستار بترغيب بعض الدول المشاركة وتطميعها فى دعمها من أجل الحصول على حصص أكبر من ثروات بحر قزوين ,أو من خلال تهديد دول أخرى مثل تلويحها لأذربيجان بدعم إنفصال إقليم "ناجورنو كاراباخ" ذو الأغلبيّة الأرمينيّة عنها - رغم أنّه إقليم داخلى وليس له أى حدود أو نقاط تماس مع أى دوله مجاورة لأذربيجان-.ورغم أن قضيّة تقسيم ثروات بحر قزوين كانت مطروحة على الدوام منذ تفكك الإتحاد السوفيتيى , إلاّ أن أمريكا فرضت تلك القضيّة بإلحاح إثر تداعيات أحداث سبتمبر - وفى ظل سعى أمريكا لتدعيم ركائز نظامها العالمي الجديد‏- ,مما أسبغ على إقليم القوقاز أهمية جيوسياسية وجيوستراتيجية نظراً لإحتمالية أن يكون مستودعاً نفطياً في المستقبل القريب. ورغم تشابك مشكلات الأمن والإستقرار في القوقاز , إلاّ أنّك تستطيع أن تلمح أربعة ملفات رئيسية تسهم جميعا في تركيب الصورة الأمنية القوقازية المعقدة وهى:
أولاً:
‏الصراعات السياسيّه ذات الخلفيّه الإثنيّه (لاسيما الصراع حول إقليم "ناجورنو كاراباخ" بين أرمينيا وأذربيجان‏ , و "أوسيتيا الجنوبية" و "أبخازيا" في جورجيا‏.‏
ثانياً:‏
الطموحات الأمريكية في إقليم القوقاز التي ترمي إلي إحتواء روسيا وإقصاء إيران ومراقبة الصين ‏.‏
ثالثاً:
السياسات النفطية التي أدت إلي إعتلاء إقليم القوقاز قمة الأجندة الدولية ‏.‏رابعاً:‏المصالح الإقليمية للجوار القوقازي (سواء تركيا أو إيران أو حتي الصين)‏.‏
على أى حال...فإنه إذا كانت هناك أطروحات متعلقة بالأمن والإستقرار في القوقاز كانت قد تبنتها منظمات مختلفة وقيادات سياسية - فيما أطلق عليه ميثاق إستقرار القوقاز- إلاّ أنها باءت جميعاً بالفشل نظراً لرغبة ماما مريكا فى إبقاء حالة التوتّر والتحفّز بالقوقاز (ويساعدها فى ذلك أن إقليم القوقاز يشكّل خليطاً من التناقضات والصراعات المعقدة الكفيلة بإغراقه في مستنقع لا ينضب من المشكلات التي تحول دون إستقراره الأمني) , ولهذا لعبت أمريكا على وتر دفع بعض الدول القوقازية إلى تجاهل أن أمنها الجماعي مرهون بأمن كل دولة علي حده‏ - و هو ما تفعله أمريكا حالياً بمقاومة تحويل الإقليم القوقازي من مجرد إصطلاح جغرافي إلي آلية جيوسياسية فاعلة فى تناغم بين دول هذا الاقليم , و ذلك بالطبع من أجل تحقيق مخطّطاتها التى أشرت اليها آنفا‏-).‏
على أى حال...إذا كانت أحداث سبتمبر قد أدّت الى تزايد أهمية منطقة( أوراسيا), فقد انعكس ذلك على منطقة الشيشان فى إطار الإستراتيجية الأمريكية ، ومن هنا تبدو أهمية الحديث عن الحركة الإسلامية فى الشيشان , حيث أن جزءً من هذه الحركة له علاقة بشكل التديّن الأصولى السلفى الجهادى المتهم بالإرهاب من جانب إدارة واشنطن... وهنا علينا أن نلاحظ أن الحركه الإسلامية فى الشيشان تنقسم إلى تيارين: أولهما هو التيار الصوفى - و هو التيار التقليدى للحركة الاسلامية و الذى لعب دوراً بارزاً فى تفاعلات السياسة الشيشانية الداخلية وفى مناهضة التبعيّه لروسيا- , أما التيار السلفى الجهادى فهو يتميز بالجمع بين الفكرة السلفية الداعية لتنقية المجتمع الإسلامى ممّا يعتبره ذلك الفكر شوائب دخيلة وبين الفكرة الجهادية الداعية لأسلوب العنف لتحقيق الدولة الاسلامية. وهنا... تظهر إزدواجيّة المعايير الأمريكيّة والتى تعد أحد أهم الأسباب التى تجعلها دولة غير جديرة بالإحترام: فإذا كانت أحداث سبتمبر قد جاءت كفرصة لروسيا لكسب تأييد أمريكا فى حملتها ضد الشيشان حينما أيّدت روسيا الحملة الأمريكية على ما أسمته واشنطن بالارهاب - من منطلق مقايضة ذلك التأييد باعتراف أمريكى بنفوذ روسيا فى آسيا الوسطى ومساندة حملتها فى الشيشان باعتبار الشيشانيين جزءً من الإرهاب الدولى الذى تحاربه الولايات المتحدة الأمريكيّه - , إلاّ أن الرهان الروسى كان خاطئاً و خاسراً , حيث ظهر توجّه إستراتيجى لدى الادارة الأمريكية الجديدة , و هو التوجّه المناوئ لروسيا و المؤيّد للشيشان ( وهو ماترجمته الإدارة الأمريكيّة فى صورة رغبتها فى تشكيل لجنة سلام أمريكية لإنهاء الصراع فى الشيشان بالكيفيّه التى تميل لها أمريكا معتمدة فى ذلك على وهن الدب الروسى الذى أصبح غير قادر ليس فقط على الإفتراس بل وغير قادر على الخربشه - ومؤخّرا أصبح عاجزاً حتى عن الزمجرة-).
وفى سياق هذه الاستراتيجيّه الأمريكيّه لوطئ عتبة وسط آسيا الجزاز , فقد مثّل دعمها اللا محدود لفكرة السوق القوقازية المشتركة - من خلال ربط شمال القوقاز بجنوبه - مايمكن أن نسمّيه بالسلّم النايلو فى نايلو لصعود أمريكا إلى قمّة الوضعيّه التحكّميه التى تمكّنها من إختراق القوقاز والتغلغل قى آسيا الوسطى ....وهو ما دعمته أمريكا من ناحيه أخرى بإرسال خبراء عسكريين فى مكافحة الإرهاب إلى جورجيا مؤخراً بدعوى كبح جماح حركات العنف بها , وهو ما لاأرى ترجمة له فى قاموسى السياسى المتواضع سوى أن أمريكا قد أصبح جليّاً انها تسعى ليكون لها ولايتان تحملان إسم جورجيا (ويبقى فقط إختيار ما إذا كانت ولاية جورجيا الأمريكيّه بوسط آسيا سيطلق عليها إسم ولاية جورجيا مكرّر أم ولاية جورجيا بشرطة) .

البورنو السياسى

"حلاوتها فى حموتها"......
كان هذا هو الشعار الذى رفعته أمريكا عندما قرّرت طرق الحديد وهو ساخن فور إنتهاء الحرب العالميّة الثانية , إذ قرّرت أن يبدأ تخطيطها لإرساء قواعد إمبراطوريّتها المهيمنة على مقدّرات العالم فى تلك المرحلة الدقيقة من تاريخ هذا الكوكب حتّى وصل الحال إلى مانراه الآن من صعوبة إن لم يكن إستحالة الفلفصة من هذه الهيمنة.
و لهذا... فإنّه ما أن خمدت نيران الحرب العالمية الثانية , وما أن أعلنت القنبلتين الذرّيتين الأمريكيّتين اللتين ألقيتا على هيروشيما و نجازاكى عن نهاية فيلم هذه الحرب العالمية فى مشهد الــ"فيناله" المأساوى و الملحمى الّذى شهد فيه العالم إنصهار و تبخّر مئات الآلاف من اليابانيين فى لمح البصر ليكون هذا المشهد هو النسخة الأمريكيّة النوويّة المحدّثة تكنولوجيّا من لوحة "جورنيكا" الملحميّة المأساويّة لــ"بيكاسو" مؤسس التكعيبيّة و أحد أقطاب السيرياليّة والتى ترجمت مأساة مذابح "فرانكو" على الأراضى الأسبانيّة, وما أن تابع العالم "تترات" نهاية الفيلم و هى تنزل على الشاشة مع مقاطع من محاكمات "نورمبرج" الشهيرة , حتّى بدأت أمريكا فى تصوير فيلمها الإستعراضى الدرامى الكوميدى التراجيدى الغنائى الذى قرّرت أن تكون بطولته المطلقة لها وحدها , والذى تتمحور مشاهده حول عدم جدوى الإفلات من منظومة هيمنتها , وهو ماجعلها تختار أن يكون إسم فيلمها : " تجيبها كده....تجيلها كده.... هوّه كده".
و لأنه إذا أراد منتج أى فيلم لفيلمه أن "يفرقع" فإنه يحتاج إلى أغنية تصبح بمثابة "تيمة" تذكّر الناس به , فقد قرّرت أمريكا أن تضع هذه الــ"تيمة" فى مطلع الفيلم و فى أول مشاهده , وبالفعل..... كان مشهد فيلم الهيمنة الأمريكية الإفتتاحى مشهدا لا ينسى , إذ تم خلاله الإعلان عن قيام حلف شمال الأطلنطى على خلفيّة الموسيقى التصويريّة التى كانت "تيمة" مطلع أغنيتها تقول : "حلقاتووو...برجالاتووووو...وعملنا حلف الناتوووو"
ثم.... تتابعت مشاهد الفيلم... فهاهو مشهد إنشاء مسرح العرائس الشهير بهيئة الأمم المتّحدة , ثم جاء مشهد الصدام مع الإتحاد السوفييتى , وهو المشهد الذى كانت أمريكا تتوق لأن تجعل منه "خناقة الفيلم" ولكنّها عندما وجدت أن العملاق السوفييتى الأحمر كان فى عنفوان فتوّته وعافيته بعد أن وضعت الحرب أوزارها قرّرت أمريكا أن تقوم بتعديل فى "سكريبت" الفيلم ليكون مشهد الحرب الباردة الذى شغل مساحة زمنية لا يستهان بها من فيلمها.
لقد حاولت أمريكا مرارا أن تسيّر أحداث الفيلم فى إتّجاه يجعل إنتصارها على غريمها الأحمر إنتصارا مثيرا فى إطار خناقة و تلاحم مباشر و ..طاااااخ.. طييييييخ , ولكنّها فشلت فى ذلك لأن الإتحاد السوفييتى خرج من مشهد "فينالة" الحرب العالمية و هو أحد نجوم الشبّاك بعد أن كان أحد أكبر الظافرين مما مكّنه من اقتسام كعكة بطولة الفيلم مع أمريكا (فى مشاهده الأولى فقط) والفوز بالكتله الأوروبيه الشرقيّه بعد أن تم تقزيم مساحة الدور الذى يوفّره الــ"سكريبت" لإنجلترا وفرنسا وتحويلهما إلى مجرّد "كومبارسات" و "كمالة عدد"من واقع هامشيّة دوريهما الفعلى فى انتصار الحلفاء ومن منطلق أن مكسب كلاهما الفعلى كان النجاة من الهجمه الهتلريّه على عقر دار كلاّ منهما.
ولهذا..... توجّب حينها على انجلترا وفرنسا أن يقبلا حضور حفلة تقسيم الكعكه ككبار مدعوّين وليس كأصحاب فرح حتّى ولو أسبغت تلك الصفة الأخيرة عليهما من قبيل المجاملة ليس إلا.....ففى واقع الأمر لم يكونا نجمى شبّاك , أو صاحبى دور بطولة , بل كانا ضيفى شرف الفيلم ولمّا كانت هذه النوعية من الأفلام التاريخيّة أفلاما ضخمة تستلزم توافر عدد مهول من المجاميع البشريّة و من الكومبارسات فى تصوير مشاهدها , ولمّا كانت هذه الكومبارسات تسبب صداعا فى رأس مخرج الفيلم , ولمّا كانت هذه الكومبارسات و المجاميع فى هذا الفيلم ليست سوى الدول الصغيرة والشعوب النامية والناهضة , ولمّا كانت هذه الدول تمر بمرحلة تغيير تاريخيّه أفرزتها تداعيات فيلم الحرب العالميه الثانيه , فقد كانت هذه الدول والشعوب أرضا خصبه للأفكار الاشتراكيّه (النظريّة) ومثاليّات نظريّات العداله الاجتماعيّه والمساواه بين الطبقات وشيوع الملكيّه (الحماسيّة) وغيرها من الشعارات الرنانه التى لعب عليها النظام السوفييتى فى جميع إجتماعات نقابة السينمائيين العالميّة فاستطاع استقطاب نسبه لايستهان بها من كومبارسات النقابة الى معسكره الشيوعى (سواءا وهو يؤدّى دور "شيوعيّه هانم" أو بعد إطلاق يد الماكيير ليتقمّص شخصيّة "مدموازيل إشتراكيّة" .
ولهذا.... إرتأت أمريكا أن الحكمة تقتضى وضع علاقتها مع السوفييت فى الثلاّجة و فى اطار اللاحرب واللاسلم المعروف باسم الحرب البارده من أجل إنهاء تصوير مشاهد فيلمها حسب السيناريو الذى وضعته , فكان أن إعتبرت مشهد الحرب الباردة كفترة هدنه يتم فيها العمل الصبور وبسياسة النفس الطويل على تقويض دعائم الاتّحاد السوفييتى وتحيّن الفرصة المناسبة لتصوير الــ"ماستر سين" والوثوب عليه من الداخل بحيث يتحلل ذاتيّا وبالتدريج كما تتساقط أوراق الخريف المتهادية فى مشهد دراماتيكى , وبهذا لن يكون على أمريكا أن تقلق من الكومبارسات إذا ما سقط "شجيعها" , فكيف تقوى الفروع على الصمود إذا تم تبوير الجذر الّذى يمدّها بالحياه, واذا سقط السيّد فمن ذا الّذى سيحمى تابعه.
وبالفعل ....كان مشهد الحرب الباردة هو المشهد المحورى فى الفيلم , وكان الــ"ماستر سين" الذى حصدت بواسطته أمريكا أوسكار أحسن سيناريو رغم أن كثيرا من النقاد كانوا يقولون عن هذا المشهد أنه كان ذو إيقاع ممل و "ريتم" واقع.....ولكنّه كان المشهد الذى مكّن السيناريست و المخرج من أن يبرز لمتابعى الفيلم مشهد تفكّك لحام الكتلة الشرقيّة أولا,ثم تحلل أوصال الاتّحاد السوفييتى, وانفتاح طريق أحاديّة القطبيّه المعبّد كالحرير لأمريكا على مصراعيه لتصبح نجمة الشبّاك و نجمة العالم الوحيدة و صاحبة أول فيلم تاريخى للــ"مونو دراما السياسيّة", فبدأت فى بلورة استراتيجيّتها العالميّه الجديدة بعد إنتهاء الحرب البارده باختفاء غريمها وتلاشيه من على مضمار السباق كفص الملح الذى ذاب, وكانت هذه الاستراتيجيّه الجديده تهدف الى بقاء أمريكا منفرده على رأس النظام العالمى والغاء امكانيّة ظهور أى " شجيع سيما " جديد أ و أى قوّة مناوئة لها أو على أقل تقدير ابطاء وتأخير ظهور هذه القوّه قدر الامكان حتّى تقوم بحصد إيرادات جميع دور السينما قبل دخول المدارس, وهو ما تم عن طريق قيام أمريكا بلعب دور السيّد الآمر الناهى المانع المانح المسيطر المهيمن المتكبّر المتجبّر الرافع الخافض المعز المذل.....ولك الأمر يا من كانت لك الأسماء الحسنى الحقّة.
ويمكننا هنا أن نقسّم مشاهد نهاية فيلم الهيمنة الأمريكيّة إلى ثلاثة مشاهد رئيسيّة وهى :
المشهد الأول :
وهو المشهد مابين مشهد انهيار الاتّحاد السوفييتى وحتى مشهد نشوب حرب الخليج الثانيه , وهو المشهد الذى قامت فيه أمريكا بتثبيت دعائم هيمنتها عن طريق تسلّلها الى جميع مناطق العالم الاستراتيجيّه تحت عبائة حلف الأطلنطى , وهى تلك العبائه التى وفّرت لها تغلغلا معلوماتيا واستخباراتيا حول العالم يغذّى قواعد عسكريّه أرضيّه تستمد امداداتها من قواعد عسكريّه أخرى محموله بحريّا وتسيطر على المسطّحات المائيّه ذات المواقع الجيو-استراتيجيّه المختاره بعنايه فائقه والمحميّه بغطاء جوّى يستطيع بسط سيطرته على أى أجواء بسرعة انتشار فائقه انطلاقا من شبكة قواعد أرضيّه وبحريّه يتوارى الأخطبوط منها خجلا ويشعر العنكبوت بشباكه أمامها بالوضاعه والتقزّم, ناهيك عن المنظومه الباليستيّه الأمريكيّه التى لافكاك منها,ليصب كل هذا فى غرف صنع القرار بحلف الأطلنطى وهى تلك الغرف التى تفتح كل أبوابها ونوافذها على غرف صنع القرار الأمريكيّه دون وجود مداخل أو مخارج أخرى....وظلّت هذه المرحله فى اطار نظرى لم ترقى تجاربه العمليّه الى الدرجه التى تطمأن أمريكا الى نجاحه الباهر عمليّا حتى حرب الخليج الثانيه.
المشهد الثانى :
ويقع مابين مشهد حرب الخليج الثانيه و مشهد أحداث سبتمبر.....وهو المشهد الذى قامت أمريكا فيه بوضع هذا الاطار المتكامل نظريّا تحت الاختبار للتأكّد من فعاليّته عمليّا وقدرته على بسط هيمنه عالميّه لاراد لقضائها وابرامها.... وكان ذلك الاختبار العملى هو حرب الخليج الثانيه التى تحرّكت فيها أمريكا تحت غطاء دولى , فقد إرتدت عبائة حلف عالمى مطرّزه وموشّاه بالشرعيه الدوليه التى أضفت على نجاح التجربه العمليّه بعدا دعائيا لم يستسيغه العالم, ولكن عدم استساغة العالم لأداء أمريكا لشخصيّة "فتوّة الغلابه" الذى فشلت فيه فشلا ذريعا إذ قامت بأدائه وهى تحمل إكسسوار "نبّوت البلطجى" الذى لا يتماشى مع الشخصيّة ,و رغم ذلك , فلم يكن لهذا الأداء التمثيلى السخيف تأثير يذكر على حصول أمريكا على أوسكار الهيمنة العالمية حيث إنتقلت من مرحلة اختبار منظومتها العالميّه المرتديه لكساء الشرعيه والشراكه الدوليّه المحتشم الى مرحلة الاختبار العملى لمنظومتها عندما ترتدى الميكروجيب والبيكينى كمرحلة نصف تعرّى (مبدئيّة)من ثقل رداء الشراكه فى اتخاذ القرارات وتنفيذها مع الآخرين حتّى ولو كانوا من حلفائها وذلك عندما خاضت حرب البلقان بصوره أكثر انفراديّه مع ذر الرماد فى العيون ببعض فتات الشراكه مع حلفاء تقلّص عددهم عن أيّام حلفاء حرب الخليج الثانيه , وحيث أن النجاح لهذه التجربه العمليّه كان حليفها فقد قرّرت أمريكا ادخال استراتيجيّتها العالميّه الى المشهد الثالث. المشهد الثالث: وهو مشهد الفيناله مــشــهــد الاستريبتيز السياسى والتعرّى الأحادى الكامل بغض النظر عن آراء مرتادى دور السينما السياسية العالمية فى العروض والشوهات التى ستجعلهم أمريكا يشاهدونها قصرا و بالعافيه ... مع الوضع فى الاعتبار أن من لايعجبه هذا العرى السياسى لن يكون بإمكانه مغادرة دار السينما والاّ تم اعتقاله عند باب الخروج بتهمة الارهاب والمروق وتخريب النظام العالمى و...و...و....
bla bla bla bla bla bla bla bla
وبهذا...إتّجه السيناريو لأن يجعل العالم يجد أنّه من الحكمة أن يعود للجلوس على مقعده ويشاهد مشهد الفيناله مع إجباره على دفع ثمن التذكره مضاعفا ودفع ثمن الزجاجات التى ستفتحها له ساقطات و عاهرات الملهى السياسى الأمريكى , ناهيك عن أن من لن يلهب أكفّه من التصفيق عندما تظهر كلمة "النهاية" على الشاشة سيعتبر تلقائيا ليس مع أمريكا وبالتالى فهو ضد أمريكا أى مع الارهاب وضد السلام العالمى وسيتم ضمّه لقائمة زبائن جهنّم التى تقوم أمريكا باعداد قائمه بأسمائها( إمّا بنفسها أو عن طريق تسريحها لمجموعه من الموظّفين والمندوبين والأجريّه والأرزقيّه من مختلف الجنسيّات تحت مسمّيات وظيفيّه تنتمى لكوادر دوليّه مركزها الأمم المتّحده بعد أن تم وضع عروسة ماريونيت على قمّتها دون اغفال أن تكون العروسه من موديل "بربرى الصالون" امعانا فى التمويه وادّعاء التحضّر والمساواه bla bla bla bla bla) , بينما تكون فروعها هى هيئاتها ومنظّماتها المتشدّقه بالعدل والسلام وحرّية الشعوب وحقوق الانسان....الخ الخ الخ الخ الخ.....
وفى مشهد الفيناله...هذا المشهد الإستريبتيزى...تبدأ تجربة أمريكا عمليّا لمنظومتها العالميّه بصورة انفراديّة تحررها من عبء إسترضاء المجتمع الدولى .....فــــ....لماذا تنشد استرضاء المجتمع الدولى اذا كانت قادره على تنفيذ استراتيجيتها دون شراكته؟؟؟!!!!
وبهذا.....انطلقت أمريكا دون عائق ولا رادع الى قلب المنطقه التى مافتئت تحلم باختراقها , كيف لا وأفغانستان هى قلب وسط آسيا المزروع كالخازوق وسط كل القوى النوويه القائمه بالفعل والمحتمله مستقبليّا .... روسيا,الهند,باكستان, ايران, والأهم بالطبع الصين التى ستكون بذلك أمريكا تمرح فى فنائها الخلفى لتكون لزقه أمريكانى بالفعل للصين,ناهيك عن نفط بحر قزوين وما أدراك مانفط بحر قزوين ,واختراق آسيا الصغرى...و...و...و...و....بالمختصر المفيد : وليمة هيمنه حتى التخمه وشراب تسلّط حتّى الثماله.
وبذلك نجحت أمريكا فى هذا المشهد فى أن ترمى بحلف الاطلنطى فعليا فى مزبلة التاريخ بعد ان أعلنت رسميّا عن أنها هى الحلف والحلف هو أمريكا وهو ماكان معلوما سلفا ولكن دون الاعلان عنه ولكنّها الآن أصبحت "رسمى" وأفاق العالم على استراتيجيّة أمريكا العالميّه وهى تأخذ القرار من عقلها بناءا على مرئياتها ثم تنفّذه بيدها دون تشاور أو تنسيق مع أحد. و نظرا لتخطّى أمريكا مرحلة الستربتيز السياسى إلى مرحلة العهر السياسى فى مشهد الفينالة الأخير فى فيلم هيمنتها المعروف بإسم "تجيبها كده....تجيلها كده.....هيّه كده" فقد صنّفه التاريخ على أن أوّل (وربّما آخر) فيلم "بورنو" يتم عرضه علنا على شاشات جميع دور السينما السياسيّة فى نفس الوقت
و.... و..... و..... هوّه إحنا كنّا طلبنا حاجه كبيره؟؟؟!!! إحنا كل اللى طالبينه إن أمريكا كانت "تتشاور" بس معانا و تقول لينا بعد التصوير : "إيه رأيكم.... نذيع والاّ ما نذيعش؟؟!!" وطبعا –بما أننا كومبارسات مؤدّبة و بتسمع كلام المخرج - , فإحنا كنّا حنقول :
ذيييييييييع
وكل أوسكار و إنتم بخير

قل ...و لا تقل

هل هو هروب من مواجهة الحقائق عندما تكون مرّه؟؟؟؟
هل هى مغالطة للنفس و خداعا لها؟؟؟
هل هو جبن من اكتشاف أغلاطنا؟؟؟
هل هى نرجسيّة تمنعنا من تشريح و تعرية عيوبنا؟؟؟
الله أعلم...
ولكن ما أعلمه أننا أصبحنا لانسمّى الأشياء بمسمّياتها الحقيقيّه وأننا نتّبع فى سبيل ذلك أساليب التفافيّة نخدّر بها أنفسنا لنتعامى وقائع الأمور.
ما أعلمه أننا نسمّى استغلال الوظيفة فى قطاع خدمىّ ما فى اجبار طالب الخدمة ومستحقّها على دفع مبلغ مالى : اكراميّه بينما فى باقى بلاد الله يسمّونها باسمها الحقيقى وهو : الرشوه.
ما أعلمه هو أننا نسمّى قيام مرأة بالتلوّى والتثنّى و اثارة الغرائز الجنسيّه بـــ: فن الرقص الشرقى بينما فى جميع بلاد الله يسمّون هذا بمسمّاه الحقيقى وهو : التعرّى.
ما أعلمه هو أننا نسمّى الــ100 ألف الّذين يكتظ بهم استاد كرة القدم وهم يشتمون الحكم واللاعبين بأقذع الألفاظ بــ: قلّه منحرفه بينما فى كل بلاد الله يجزعون لهذا التدهور فى القيم الخلقيّه والسلوكيّه لأنهم يسمّون الظاهرة بمسمّاها الحقيقى وهو : تردّى الأخلاقيّات والسلوك على المستوى الجماعى.
ما أعلمه هو أننا نسمّى من هو غير منتج ولا لزوم لوجوده فى موقعه الوظيفى بــ: الغلبان اللى عايز يأكل عيش , بينما فى بلاد الله يسمّون الظاهرة بمسمّاها الحقيقى وهو : البطالة المقنّعه.
ما أعلمه هو أننا نسمّى من يصر على التزام العاملين معه بقوانين العمل بـــ: المدير المعقّد المكلكع أبو دم ثقيل , بينما فى جميع بلاد الله يسمّونه بــ: المدير الجاد و الناجح (بالإضافة إلى أننا نسمّيها "منظرة" بينما يسمّونها هم "معايير الجودة").
ما أعلمه هو أننا نسمّى من يعيّن نفسه بنفسه مسئولا عن اصطفاف السيّارات أمام احدى المصالح طالبا منك المعلوم بــ: المنادى , بينما فى جميع دول العالم فان مسمّاه الحقيقى لا يمكن الاّ ان يكون : البلطجى.
ما أعلمه هو أننا نسمّى الأكاذيب الصحفيّه بــ: السبق الصحفى بينما فى دول العالم يسمّونها بأسمها الحقيقى وهو : الاشاعات.
ما أعلمه هو أننا نسمّى تخفيض قيمة الجنيه بــ: اصلاح العملة بينما فى دول العالم يسمّونه بمسمّاه الحقيقى وهو : انهيار العمله.
ما أعلمه هو أننا نسمّى حكم الحاكم الأبدى بــ: المبايعه بينما فى دول العالم يمّى هذا بمسمّاه الحقيقى وهو : الديكتاتوريّه.
ما أعلمه هو أننا نسمّى اقرار حق السلطة فى حبس شخص ما دون أدلّة جازمة بــ: الضروريّات الأمنيّه بينما فى العالم كلّه ليس له مسمّى سوى : الأحكام العرفيّه.
ما أعلمه هو أننا ان لم نكاشف انفسنا بالحقائق المجرّدة ونسمّى الأشياء بمسمّياتها الحقيقية فستظل رؤوسنا مدفونة فى الرمال ولن نصلح من أغلاطنا ولن نرتقى بأنفسنا وكما يقول المثل الأيرلندى :
If you want to discover , you must - first- uncover

فسادكو

أشهد الله أن هذه الحكومة عبقرية (وأنا أعنى هذا ولا أسخر ).
فإذا كانت المشكله التى تواجه أى نخبة حاكمة فاسدة مليئة بالمرتشين والقومسيونجية والمشهّلاتية والهبّيشة والهبّيرة هى عيون الشعب المفنجلة , فقد اتبعت حكومتنا العبقرية أسلوباً تكتيكياً فائق الخبث والدهاء - بل و العبقريّة- و قد كان ذلك عندما أيقنت نخبتنا الحاكمة أنه لايفل الحديد إلا الحديد ,و أنه إذا كان العائق أمامها فى أن تعيث فساداً وتنهب المحروسة هو عيون الشعب المفنجلة فالحل الأمثل لتلك المعضلة لن يكون أفضل من كسر هذه العين حتى لاتتبجح وتتهم الحكومه بالفساد .
لقد كانت إشاره البدء لتنفيذ هذا التكتيك عندما قال السيد الرئيس مامعناه "وأنا اعمل لكم ايه يعنى؟ كل واحد يصرّف أموره ويحاول يعيش" (وذلك فى معرض الحديث عن الأزمه الاقتصادية الخانقة الممسكة بتلابيب الشعب المصرى بأحد المقابلات الصحفية منذ حوالى 8 سنوات) و فى واقع الأمر فقد كان ذلك تلميحاً شبه صريح بأن الحكومه ستغض الطرف عن مظاهر الفساد الصغيرة.
وباستخدام هذا التكتيك إستطاعت النخبة الحاكمة فى ظرف سنوات قليلة أن تحوّل الشعب المصرى إلى جمهرة من الفاسدين من أجل أن يجدوا قوت يومهم.....فعسكرى المرور الذى يصطادك بقلمه ودفتره زوراً وبهتاناً صبح فاسداً عندما اعتاد على هبش البريزة مقابل إلغاء المخالفة,وموظف الحكومة أصبح فاسداً عندما استمرئ حبس إستماراتك و معاملاتك الحكومية فى أدراج مكتبه كرهينة لايطلق سراحها إلا بعد أن تدفع له ثمن الشاى والسجاير,ومهندس الحى أصبح فاسداً عندما أصبح روتين حياته هو: هات المعلوم وخذ التصريح , والمدرس أصبح فاسداً عندما أُجْبِرَ لكى يعيش على الطلسقه فى المدرسه واضطهاد الطلبه الذين لاياخذون دروساً خصوصية عنده لإجبارهم على ذلك,والساعى أصبح فاسداً لارغامه الجميع على دفع الاكرامية له للإفراج عن الدمغة التى احتكر سوقها فى دائرته الحكومية,والشيّال فى المطار أصبح فاسداً عندما مدّ يده للمسافر فى الخفاء ليلتقط الورقة أم عشرين التى يقتسمها فيما بعد مع الموظف المحترم أبو كرافتة الجالس على الكاونتر متظاهراً بأنه لم ينتبه إلى أن المسافر سيصعد الطائرة و معه معه ستين كيلو زياده,و....و.....و....الخ نعم..... لقد صدّرت نخبتنا الحاكمة الفساد للشعب حتى أصبح عنوان برنامجها للشعب:
"ياعزيزى كلنا لصوص"
و بالطبع...فإنه...لا يهم هنا واقع الأمر الذى يقول أن فساد الشعب إنما هو فقط من أجل لقمة العيش والبيجامة الكستور و جزمة المدرسة للعيال , إذ أن الرد الجاهز من جانب النخبة الحاكمة إن تبجح أحد من الشعب واتهمها بالفساد سيكون و بمنتهى البساطة و التلقائية هو:
لست وحدى الفاسد فأنت أيضاً كذلك
فيا شعبى الفاسد ...
لا تعايرنى ولا أعايرك
الفساد طايلنى وطايلك
فكلّنا لصوص يا عزيزى
و ....
تعلن فسادكو (شركة مصرية حكومية شعبية مساهمة /ش.م.ح.ش.م) عن طرح المزيد من الأسهم لأبناء المحروسة....
فاغتنموا الفرصة

التقدير الجزافى..و نظام الجباية الشافى




منظومة التقدير الجزافى للضرائب بالمحروسة هى منظومة متفردة يقوم على تنفيذها مجموعة من مندوبى الضرائب الذين تم تدريبهم من قِبل مصلحتهم المبجلة بنفس النمط التدريبى الذى يتلقاه عساكر الأمن المركزى الذين يقومون بتنظيم جموع جماهير الكرة خارج الإستاد باستعمال القاعدة الذهبيه : "لاتنظر أين تهوى بعصاك ..... فبعد أول رأس مهشمة سينتظم الجميع".






صحيح أن البعض يرى أن أولى أمر المحروسة قد أبدعوا و تفننوا فى فرض الضرائب و تشريع ضروب و ألوان الجبابة التى ما أنزل الله بها من سلطان ثم أثبتوا أنهم خارج المنافسة فى مجال التثبّت من وقوع جموع المموّلين فى براثن هذه الضرائب دون إعطاء أى فرصة لهم لمجرّد التفكير فى التهرّب منها, إلا أن المعضلة الأكبر تكمن كما أرى فيما يتعارف على تسميته بــ: التقدير الجزافى.







و لذلك , فإنه لاجدوى للطبيب الذى سافر خارج حدود البلاد والتزم بدفع ضرائب العاملين بالخارج ورسوم تصريح العمل من التظلم على التقدير الجزافى لمندوب الضرائب الذى يقدّر – جزافياً – بما يربو على الثلاثين ألف جنيه كضرائب عن عيادته المغلقة خلال عامه المنصرم,ولن يفيد هذا الطبيب إحضار فواتير الكهرباء والتليفون التى تبرهن على أن إستهلاكهما طوال العام كان....... صفراً (و هذا بالطبع بافتراض أنه لن يفاجئ بأن هذه العيادة المغلقة قد تم أيضاً إصدار فواتير كهرباء وتليفون من وحى خيال الكوبانيه والسنترال ).




و لكى يكون ذلك الطبيب واقعيّاً فإن عليه أن يسلّم بأنه لا فائدة من أن يشرح لمصلحة الضرائب قصة هذه العيادة , و أنه من قبيل العبث محاولة توضيح أن تلك العيادة ليست سوى "أوضة بعفشة ميـّه" فى بدروم منزل عائلته بالشرابيه كانت والدته قد أهدته إياها عند تخرجه لكى يقيم عيادة بها من باب "المنظرة" والمباهاة أمام جيران "ست الحبايب" و....و...و......(إبقى تعالى "ياختشى" "إنتشى" والبت "فاطنه" بنت "أختشك" علشان إبنى "سى البيه الدكتور" يشوف حكاية الزغطه دى ايه ويكشف عليها فى عيادته).....علماً بأن هذه الغرفة كانت قد ظلت مهجورة لسنين طويلة بعد وفاة الست أم بيومى (بوّابة العمارة) المريضة والمقطوعة من شجرة – يا والداه- والتى قامت والدة "سى البيه الدكتور " بإيوائها فيها لحين نفاذ أمر الله - كحسنه مستترة- (إذ أن العمارة ليست فى واقع الأمر سوى بيت عشوائى من الطوب الأحمر لــ "لم" شمل العائلة , ولهذا فإن هكذا بناء عشوائى متواضع لم يكن ليحتاج إلى"بوّابة" و لا "سيكيوريتى" ولا يحزنون)
من جهة أخرى فإن على ذلك الطبيب "المموّل" أن يدرك أنه من باب إضاعة الوقت والجهد أن يدعم موقفه أمام مدير مصلحة الضرائب بالمستندات الدالة على إقامته وعمله خارج البلاد , أو أن يرفق بملفه صورة جواز السفر المرصع بأختام الجوازات المشيرة إلى تواريخ الخروج والعودة , فالرد الجاهز هو :



" نحن نتعامل من واقع تقارير مندوبنا ياسيد , ولايمكن تغيير أى بيانات واردة بها,إدفع الأول...... وبعدين...... إتظلمّ"




وحتى لايتهمنى أحد بالإنحياز للأطباء , فإننى أقول أن نفس هذه المواقف "الجزافيّة" قد يواجهها عم فرغلى صاحب محل الخردوات والمانيفاتورة بـ"الدويقه" , إذ قد يجد ذلك الرجل - الذى تجاوز السبعين من عمره وأكل الدهر عليه وشرب - نفسه وقد تم إعلانه "على يد مُحْضَر" بأنه مطلوب للمثول أمام المحكمة بتهمة التهرب الضريبى , لتبدأ بذلك رحلة مهانة الرجل الذى يجد نفسه واقفاً فى "القفص" وسط حثالة المجتمع وعتاة المجرمين بالثلاث ساعات فى انتظار دور قضيته وقد انتفخت الدوالى التى يعانى منها حتى تكاد أن تنفجر و حتى ينتابه الدوار من إرتفاع الضغط والسكر عليه , لتصل إلى مسامعه فى النهاية كلمات مندوب المصلحة الموقر وهو يخاطب القاضى قائلا :"إن هذا المتهم الماثل أمامكم والذى تهرب من تسديد ضرائب تقدر بثمانين ألف جنيه عن نشاطاته التجاريه , والذى تناسى فضل بلده التى ربته ورعته واحتوته , إن هذا المتهم لهو عدو لدود لهذا الشعب المعطاء , وإننى أناشد عدالتكم ألا تأخذكم به أى شفقة , و أرجو من عدالتكم أن تضربوه بيد من حديد و أن تنزلوا به أقصى العقوبة , حتى يكون عبرة لأمثاله من مصاصى دماء الشعب ومستنـزفى خيرات مصرنا الحبيبة".






و فى مثل هذه الحالات , وعندما يلاحظ القاضى أن التقدير الضريبى كان جزافياً , فإنه عندما يستفسر من مندوب الضرائب عن السبب فى ذلك , فإن المندوب الهمام يرد بثقة وفخر :



"أصل سعادتك - يا باشا- لما رحت المحلّ – يا باشا - علشان أراجع دفاتره لقيت المحل متشمّع والديـّانـة حاجزين عليه لحين بيعه فى المزاد العلنى لتسديد الديون المستحقه – سعادتك..... معاليك.....يا باشا- ".
وهنا......



يستقر فى وجدان المحكمة الإطمئنان إلى نزاهة و واقعية تقرير مندوب المصلحه



و....و....و.....



"عداك العيب يا أستاذ .......رفعت الجلسة"




أما عن الحل الذى قدمه لنا "الحاج متولى" لتسوية منازعاته مع الضرائب عن طريق أن .......يتزوجها , فهو حل طليعى بلا شك, و فى واقع الأمر فإننى أجد نفسى – شخصياً - مستعداً للجوء إلى هكذا حلول إذا ما كانت مندوبة الضرائب التى سأتعامل معها بنفس المواصفات الحاصلة على شهادة الأيزو للجودة النوعية كمندوبة الضرائب التى ظهرت بالمسلسل , إذ أننى أمام هكذا مندوبة ضرائب لن أجد بد من تبنى مقولة : "لو لم أكن ممولاً ,لوددت أن أكون ممولاً".
و على هامش طليعيّة هذا الحل الــ"متولّى" , فإن جزء من طليعيته يكمن فى أنه يصلح للتطبيق بالنسبة لأصحاب المحال و الأنشطة التجارية والأعمال الحرة على مختلف المستويات (و كما يقول المثال : "كل برغوت و على قد دمه") , إذ يمكن للأسطى رضا العجلاتى – على سبيل المثال- تطبيق هذا التكتيك عن طريق إصطحاب "البت" مندوبة الضرائب "أم كدش" التى أخذت فى تضييق الخناق عليه إلى سينما "دوللى" لمشاهدة فيلم هندى يعقبه آخر مصرى من حقبة السبعينات و التى تميزت أفلامها بالمشاهد "القبيحة" و القبلات الساخنة , ثم بعد الخروج من السينما فإن كل ما على الأسطى "رضا" فعله هو التغاضى عن "منظر" ساقى مندوبة الضرائب "المعيزى" ودعوتها إلى قرطاسين ترمس تحت كوبرى قصر النيل قبل أن يدفع لسائق الميكروباص أجرة عودتها لمنزلها بالمنيب وهو يودعها بــ"تسبيلتين" حتى ترفع يدها عنه وتحل عن سماه.




ولكن.....



لحظة من فضلك...



ماذا يفعل أصحاب المحلات و الأنشطة التجارية إذا ما إزدحمت أجندات عمل مندوبات الضرائب فإذا بحظ المموّل النكد يأبى إلاّ أن يكون مندوب الضرائب الذى يقع فى "قرعته"..... رجل "خنشور"؟




إن هذه الشواهد تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن معضلة الضرائب ومشكلة تقديس بيانات تقارير مندوبى الضرائب وتقديراتهم الجزافيه ضاربة بجذورها فى عمق التربة المصرية , إذ تقرأ فى الطبعة الممصرة لكتاب كليلة ودمنة ما يلى :




"ولما إستفحل أمر تهرّب مموّلى الغابة من الجباية بحجة التقدير الجزافى تم إيداعهم فى السجون لحين البت فى قضاياهم , ويحكى أن أحد الأسود العجوزة قد تم إيداعه فى سجن الغابة لتهربه الضريبى. وفى أول أيامه بمحبسه حضر الكلب (الحارس) فوضع أمامه سباطة موز ,و عندما إعترض الأسد تجاهله الكلب , فأخذ الأسد يحدّث نفسه بأن هذه الأخطاء تحدث أحياناً نتيجة بعض اللبس فى الكشوفات, ولكن مع تكرار ذات الموقف كل يوم ولمدة أسبوع كامل هاج الأسد و ماج وطلب مقابلة مدير مصلحة ضرائب الغابة (الحمار) .
وبالفعل تم اقتياد الأسد إلىمكتب "الحمار" الذى أزاح حزمة البرسيم من على مكتبه بينما الأسد يعتذر له – بمداهنة و تملّق - عن إفساده إفطاره عليه . وعندما قدم الأسد نفسه للحمار فتح الأخير أحد أدراج مكتبه , وبعد بحث قصير أخرج أحد الملفات ونظر فيه قليلاً , ثم قال للأسد و هو ينظر إليه من فوق نظارته :" أيوه ... أيوه ... إفتكرتك.......ممممم....أنت المتهم بالتهرب من تسديد الضرائب المقدرة على أسراب البط والأوز التى قمت يإفتراسها عند بحيرة الغابه....ها يا سيدى ....ايه المشكلة؟!".
قال الأسد للــ"حمار": "المشكله – معاليك- أننى – سيادتك – أسد – يا باشا- ....و طعامى كما تعلم من اللحوم التى لا أتناول سواها...و لكن الحارس (الكلب) لا يحضر لى سوى الموز كل يوم".
وهنا .......نظر "الحمار" إلى الملف مرة أخرى , ثم قال للأسد بحدة:
" أسد على نفسك ياحبيبى....بيانات تقرير مندوب الضرائب بتاعنا مكتوب فيها فى خانه الفصيله قرد"






الأحد، 6 أبريل 2008

دكاترة السلطان



هذا المقال تم كتابته على هامش مهزلة تعديل الدستور و إنتخابات الرئاسة الهزلية التى أعقبت ذلك التعديل


-------------------------------


كم كنت أشعر بالحنق و الغيظ عندما كنت أبدّد ملل ورتابة حياتى الدراسيّة الجامعيّة بلعب الورق و أنا فى صدر شبابى مع بعض الأصدقاء الذين يدرسون فى كلّيات أخرى , فإذا بهم يمطروننى بتندّرهم على الأطبّاء , و يحوّلون الجلسة إلى حفلة سخرية لاذعة على ممارسات و تصرّفات ممتهنى الطب , لأجد نفسى بحكم كونى مشروع طبيب فى ذلك الوقت ضيف شرف على مائدة يتناوب "السلخ" فيها كل من كان جالساً عليها على إيقاع صاخب من الضحكات الهستيريّة.و رغم حنقى و غيظى إلاّ أننى عندما كنت أعود إلى منزلى و أتمدّد على سريرى شاخصاً ببصرى فى السقف لأحملق فى الفراغ مطلقاً العنان لتفكيرى فى سخرية الأصدقاء , فإننى كنت أكتشف أننى يتوجّب علىّ إلتماس العذر لهم , إذ كم هى سخيفة بالفعل بعض مقولات الأطبّاء , و كم هى سمجة حقاً بعض تلك الأكلاشيهات التى يردّدونها بصورة آليّة , و كم هى وقحة و متبجّحة فى كثير من الأحيان تلك التبريرات الهزليّة التى يسوقونها لإنهاء أى جدل قد يدور حول إخفاقاتهم.و فى واقع الأمر فإننى كلّما إستعرضت مقولات من عيّنة "العمليّة نجحت بس المريض مات" , فإننى أذوب خجلاً و أشعر بإنتصاب كل شعيرة فى جسدى جرّاء تلك القشعريرة التى تجتاحها.


و إذا كان القدر قد أتحف المحروسة و شعبها بتلك الجوقة من الدكاترة التى أصبحت فى غفلة من الزمان فى صدارة و طليعة و واجهة الحزب الوطنى الحاكم على هامش حملة التجديد التى أطلق عقالها نجل رئيس الحزب , فإننى أصبحت أستمع كثيراً إلى مقولات سخيفة من تلك التى تخصص فيها الأطباء (و صحيح أن دكاترة الحزب الوطنى ليسوا بالضرورة أطبّاء بحكم أن كثير منهم دكاترة فى الإقتصاد أو العلوم السياسية أو القانون و ما إلى ذلك , إلاّ أنهم ظلّوا أوفياء لتراث دكاترة الطب المتمثل فى مقولاتهم الممجوجة التى تستثير السخرية و الإندهاش بقدر ما تثير الحنق و الإشمئزاز).و إذا كنّا نحمل تاريخاً طويلاً مثقلاً بتداعيات نشوء ظاهرة "فقهاء السلطان" , فإننا على ما يبدو قد طوّرنا الظاهرة لتتناسب مع فصل الدين عن الدولة فى "محروسة" العصر الحديث لتصبح......"دكاترة السلطان".


و إذا كان التشخيص الإكلينيكى لحالة المحروسة هو أنها حبلى بالتغيير و الإنطلاق نحو الحرّية و الإصلاح , و أنها كانت "على وش ولادة" , و أنها كانت فى ساعة مخاض بعد أن "حمى عليها الطلق" و أوشك رأس الجنين أن يطل على العالم لأول مرّة مغادراً الرحم المظلم الموحش الذى كان محبوساً به , فإنه و رغم كل ذلك كان من السخيف و المثير للمرارة و الحنق أن نجد دكاترة السلطان يقفون أمام أولاد المحروسة خارج باب"غرفة الولادة" و هم ملطّخين بدماء أمهم ليقولوا لهم :"معلش بقى يا جماعة......إحنا إضطرينا نضحّى بالأم و الجنين علشان صاحب المستشفى يعيش" .......و فى واقع الأمر فإن التضحية بالأم و الجنين لم تكن فقط من أجل أن يعيش صاحب المستشفى , و إنما كانت على ما يبدو من أجل يعيش معه جيش جرّار من أولئك الذين يغزلون شبكة الفساد و المصالح بالمستشفى.


و إذا كان جسد المحروسة المنهك - بفعل ذلك السرطان الذى أخذ يرتع فيه عبر الفساد و المحسوبيّة و الإهمال و القمع و النهب المنظّم- قد أصبح جسداً يحتاج إلى الرعاية المركّزة و إلى الدخول بصورة عاجلة إلى غرفة العمليّات لإجراء عمليّة تشمل زرع حرّية و نقل ديموقراطية و تثبيت ضمير و إستئصال فساد, فما أسخف دكاترة الحزب الحاكم عندما يخرجون إلينا بعد العمليّة ليقولوا لنا عبر أبواقهم الدعائيّة :

" هيّه العمليّة نجحت....بس المريض مات"


و....نعم

نجحت العملية و مات المريض


نجحت العمليّة الإنتخابية من وجهة نظر الحزب الحاكم....و لكن المريض (و هو هنا ذلك الكيان المتمثل فى النزاهة و الشفافية و الحرّية و الديموقراطيّة و الإصلاح و مكافحة الفساد).....

هذا المريض....قد مات


العمليّة نجحت و مات المريض.....عندما تم التحايل على المطالبة بتعديل الدستور فتم "تفصيل" تعديل المادة 76 بواسطة ترزيّة الحزب الحاكم لتصبح تكريساً مقنناً و مشرّعاً لممارسات الحزب الوطنى , حتى أصبحنا بحاجة ليس فقط إلى تعديل التعديل بالمادة 76 و معالجة كارثة المادة 77 , بل أصبحنا بحاجة إلى إعادة تقييم شاملة للدستور من أجل إعادة صياغته و تنقيته من الإقحامات التى تسرطنت به عبر السنين.


العمليّة نجحت و مات المريض....عندما أدهشنا الحزب الحاكم بمسابقته الزمن و إلهابه عقارب الساعة بسياط الهرولة و التهافت من أجل إطلاق إنتخابات رئاسيّة فى زمن قياسى و بإعتماد تكتيك "سلق البيض" حتى لا يعطى فرصة لأى مرشح لإنضاج تواجده و ثقله على الساحة من أجل النفاذ للناخبين , بل و أيضاً حتى لا يتمكن من له حق الإنتخاب من إستخراج بطاقة إنتخابية بحكم أن الإنتخابات فى سبتمبر و موعد إستخراج البطاقات فى ديسمبر و كأننا نلعب "حاورينا يا طيطا" أو نشاهد فيلم "تجيبها كده تجيلها كده هيّه كده".... و هو تعجّل متعمّد و مدروس أتم العمليّة برمّتها بالسرعة القصوى فى ثلاثة أسابيع بعد تلكّؤ دام ربع قرن , و هو ما يذكّرنى بالمرأة المتسلّطة التى تضيع ثلاث ساعات لتضع الماكياج و ترتدى ملابسها رغم توسّل زوجها لها حتى لا يفوتهما من موعدهما أكثر ممّا فات....ثم.......تجبره بعد أن تكون جاهزة على عدم قضاء حاجته فى ثوان معدودة بحجّة أنه يتسبب فى تأخيرهما.


العمليّة نجحت و مات المريض......عندما صدحت موسيقى الزفّة الإعلامية الصاخبة التى إخترقت حياة الناخبين عنوةً و إقتداراً لتلعب فى أفكارهم و تضغط على خياراتهم و تغرق العقل الباطن لكل ناخب فى مستنقع الإستمرار من أجل الإزدهار و المبايعة و ما إلى ذلك من هذا الهراء , حتى فوجئ أحد معارضى مبارك بنفسه و هو يدندن أثناء إستحمامه بأغنية "إخترناه...إخترناه" جرّاء كثافة و عنف غسيل المخ الإعلامى المتسلل إلى أعماق عقله الباطن ليتم إسماعه هكذا دعايات بالإكراه و بصورة مستمرة لا هوادة فيها كالإسطوانة المشروخة التى لا تكف عن الدوران فى أذنيه حتى بعد إغلاق الجهاز.العمليّة نجحت و مات المريض......عندما تم تأسيس لجنة الإنتخابات الرئاسية إرتكازاً على بنود غير دستوريّة , و عندما دخلت تلك اللجنة فى صدامات مع القضاة الشرفاء , و عندما أكسبت هذه اللجنة نفسها دون وجه حق عصمةً و حصانةً ضد الطعن فى قراراتها الغير دستوريّة و المكرّسة للتلاعب و التزوير و إستغفال الشعب , و عندما رفضت هذه اللجنة تنفيذ الأحكام القضائية التى تجبرها على التراجع عن هذه التلاعبات , و عندما كان واضحاً منذ البداية لكل ذى عينين أنها ليست سوى مخلب قط و جسر لإضفاء الشرعيّة على ممارسات غير شرعية و غير قانونيّة و غير دستوريّة....بل و غير أخلاقيّة.


العمليّة نجحت و مات المريض.........عندما تم التحرّش بمرشحين منافسين لرئيس الحزب الحاكم و تلفيق القضايا و الفضائح لهم و التربّص بهم و السعى الحثيث من أجل تشويههم و الإخلال بفرصهم من أجل الحصول على حقهم فى منافسة شريفة و نزيهة.


العمليّة نجحت و مات المريض.......عندما تم التضييق على مرشحى الأحزاب المنافسة لمرشح الحزب الحاكم , وعندما تم مراوغتهم و ملاوعتهم و إعاقتهم و عرقلتهم بأساليب صبيانيّة وصلت إلى الذروة عندما تم تأخير السماح لهم بالحصول على الكشوف الإنتخابية حتى قبل الإنتخابات بيومين فقط – رغم حصول مندوبى مرشح الحزب الحاكم عليها قبل ذلك بأكثر من أسبوع - , و ليتها كانت كشوف كاملة (إذ تم تسليمهم الكشوف على أقراص مدمجة تبيّن عدم صحّة كل البيانات الواردة بها , ناهيك عن تسليم بعضها قبل الإنتخابات بيوم واحد فقط , فضلاً عن أن ذلك خلق مصاعب جمّة للمرشحين من أجل توفير الوقت و المال اللازمين لطبع هذه الكشوف توطئة لتمكين مندوبيهم من التحرّك فى الدوائر و اللجان).....ثم, يتبجّح بعد ذلك حملة مباخر الحزب الحاكم من الإعلاميين ليعيّروا المرشحين المنافسين لولىّ نعمتهم بعدم قدرة مندوبيهم على التواجد فى اللجان و الإنخراط مع جماهير الناخبين بعد أن سلب الحزب الحاكم - الذى إستعبد الأقلام و إشترى الذمم- الوسيلة التى تمكّن مندوبى المرشحين من فعل ذلك).


العمليّة نجحت و مات المريض........عندما تم إعتماد أسلوب تسويد الخانات عند الإدلاء بالصوت رغم ما هو معروف من أن هذا الأسلوب هو الأمثل و الأسهل و الأفضل لمن أراد التزوير و التلاعب.


العمليّة نجحت و مات المريض.......عندما رفض الحزب الحاكم (عبر لجنة الإنتخابات الرئاسية التى إستنسخها بالهندسة الوراثية الدستوريّة) أن تكون صناديق الإقتراع من الزجاج أو البلاستيك الشفاف و ليس من الخشب المعتم المتعارض مع نوايا الشفافية الحقيقية , و تحجج بعض المؤتمرين بأمر الحزب الحاكم بضيق ذات اليد و إرتفاع تكلفة إستبدال الصناديق (رغم أنها لم تكن لتكلّف سوى نذر يسير من المبالغ المهولة التى تم إنفاقها على مهرجان التأييد و المبايعة لرئيس الحزب الحاكم).


العمليّة نجحت و مات المريض......عندما إتضح أنه لم يكن هناك إلتزام من المشرفين فى عدد من اللجان بإجبار الناخب على غمس إصبعه فى الحبر الفوسفورى , و أن عدداً لا يستهان به من اللجان لم يكن بها حبر فوسفورى من الأساس, و أن عدداً كبيراً من اللجان كان الحبر الفوسفورى الموجود بها من النوع المضروب الذى يُزال بالأسيتون فى لمح البصر (و ربمّا علّل ذلك بعض من يحسنون النيّة بأن ذلك الحبر الفوسفورى المضروب كان قد تم توريده عن طريق مورّد تم إرساء العطاء عليه فى مناقصة وهميّة بعد دفع المعلوم , و لكن حسن النيّة هذا لا يدع صاحبه يكتشف أن ذلك إنما حدث لتمكين الكثيرين من إعادة التصويت بعد مسحة أسيتون سريعة ..... و إذا كان الحزب الحاكم قد أشتهر بتنظيم مظاهرات "أبو صباع" الشهيرة لتأييد مرشحه , فما المانع أن يستكمل الصباع عمله حتى نهاية المشوار).



العمليّة نجحت و مات المريض.......

عندما تم فتح باب خلفى إلتفافى للتزوير و التلاعب و التدليس عبر صناديق الوافدين التى كانت مولد و صاحبه غايب بعد أن تم فتح أبواب الكثير من اللجان على مصراعيها من أجل تصويت كل من كان يحمل إثبات شخصيّة حتى و لو لم يكن إسمه مدرجاً بالقوائم الإنتخابية.


العمليّة نجحت و مات المريض........عندما تم منع مندوبى المرشحين من حضور الفرز , و عندما تم منع مندوبى الجمعيات الأهلية و المدنية من مراقبة الإنتخابات فى الكثير من اللجان رغم الحكم القضائى الذى يمكّنهم من ذلك , و عندما تم إجبار كل قاض على عدم إعلان نتيجة الفرز الذى يقوم به للصناديق و إلزامه بإرسال نتيجة الفرز للجنة الإنتخابات الرئاسية بحجة وجوب إعلان النتيجة بواسطتها بعد تجميع الأصوات (و هى بالطبع عمليّة سيتم فيها ضرب كل شيئ فى الخلاّط من أجل حصول المحروسة فى النهاية على "فخفخينا الإستمرار" و "يخنى مش كفاية" ).


العمليّة نجحت و مات المريض......عندما وصلت البطاقات الإنتخابية المختومة على بياض للكثيرين فى بيوتهم , و عندما تفشت الممارسات التى يندى لها الجبين لنوّاب مجلس الشعب المنتمين للحزب الحاكم و التى كانت ذروتها هى تلك "الظروف" ذات العشرين جنيه و صورة مبارك و بطاقة الإنتخاب الجاهزة على الصندوق.


العمليّة نجحت و مات المريض.......عندما تحوّلت الهيئات و المصالح و الوزارات و المصانع و الجمعيّات الحكومية إلى مقاولى أنفار لتوريد الناخبين إلى اللجان للتصويت لمرشح الحزب الحاكم , حيث تم شحن الموظفين و العاملين فى حافلات النقل العام و الميكروباصات و الأوتوبيسات الحكوميّة بعد رفع لوحاتها المعدنية و تغطية شعار القطاع العام الحكومى الذى يميّزها حتى تكون العمليّة "نضيفه ميّه الميّه" , رغم أن بعض مقاولى الأنفار كانوا من العبقريّة بحيث قاموا بتغطية شعار القطاع العام الحكومى بأقمشة تحمل تأييد و مبايعة الهيئة أو المصلحة الحكومية التى ينتمى لها مقاول الأنفار و أنفاره لرئيس الحزب الحاكم.


العمليّة نجحت و مات المريض.......عندما مات الحياد و تكافؤ الفرص , و عندما تباهى بذلك من إرتكبوا هذه الجريمة بعد إن إرتدى من يفترض بهم تأدية عملهم بحيادية داخل اللجان قمصاناً و تى شرتات تحمل صورة مرشح الحزب الحاكم و عبارات المبايعة و التأييد له.


العمليّة نجحت و مات المريض.......عندما حصل الحزب الحاكم على جائزة نوبل فى التزوير و التدليس و التلاعب بعد أن إخترع إختراعه الجهنّمى المعروف بإسم "البطاقة الدوّارة"..... و المثير للغثيان أن يقف مسئولى هذا الحزب بعد ذلك للتفاخر و التحاكى عن إكتساح مرشحهم للإنتخابات .


نعم....هيّه العمليّة نجحت.....بس المريض مات


فشكراً لدكاترة الحزب الحاكم


شكراً لدكاترة السلطان الذين إن كانوا قد أحبطوا و آلموا أبناء المحروسة و ضحّوا بها و بجنينها من أجل إنقاذ رئيس المستشفى و شبكة الفساد التى تدير أمورها , فإنهم قد رسّخوا بذلك داخل عقول و قلوب أبناء المحروسة أنه لا سبيل لمحروستهم- و هى الحبلى بالحرّية و الإصلاح و ضرب الفساد – لكى تلد ولادة طبيعيّة , وهو ما يفتح الباب أمام الكثيرين لكى يؤمنوا بأنه لم يعد هناك وسيلة لكى يرى هذا الوليد النور....إلاّ......بولادة قيصريّة


و.....فين المغات ؟؟؟

الـ"مونكى بيزنس"



كان يا ما كان في حديث الزمان وحاضر العصر والاوان , أن الأسد طلب من حيوانات الغابة الإمساك بالقرود على أن يشتري منهم كل قرد بعشرة جنيها.
تحمّست حيوانات الغابة فجمعت من القرود ما استطاعت جمعه.....
وهاتك يا بيع.
بعد فترة, أعلن الأسد عن رفع قيمة القرد إلى 15 جنيه
و.....هاتك يا صيد.......
هاتك يا بيع.....
ثم, رفع الأسد السعر مرة أخرى ....هذه المرة إلى 20 جنيه
و....هاتك يا صيد.....
هاتك يا بيع.....
حتى إختفت كل القرود من الغابة
و هنا....أعلن الأسد لحيوانات الغابة أن سعر القرد الواحد سيصبح 100 جنيهاً.
و فى نفس تلك الليلة....ظهر الثعلب الذى زار كل حيوانات الغابة معلناً لهم أن لديه مخزن مليئ بالقرود , و عرض عليهم شراء القرد الواحد منه بــ75 جنيه بحيث يصبح صافى ربح كل "حيوان" منهم 25 جنيه دون بذل أى مجهود....فوافقت الحيوانات و أخذت تتدافع على مخزن الثعلب المليئ بالقرود... و الدفع "كاش" عداً و نقداً بالطبع
و فى اليوم التالى ... ذهبت "الحيوانات" بالقرود إلى عرين الأسد فلم تجده.
لم تدرك "الحيوانات" اللعبة......
فقد قام الأسد بتجميع كل القرود التى إشتراها سابقاً منهم و قام بالترتيب مع الثعلب من أجل بيعها لهم من الباطن مستغلاً رغبتهم فى الثراء السريع دون مجهود...
و بعد أن قام الثعلب ببيع كل القرود لهم فرّ مع الأسد و معهم الغنيمة إلى غابة أخرى لا يعرفهم فيها أحد
و بذلك..... ظلّت الحيوانات فى الغابة و هى مفلسة و لا تحتكم على "ثلاثة تعريفة" و معهم هذه القرود بالآلاف جالسة على قلوبهم
و.....سلامتها أم حسن
و توتة توتة..فرغت الحدوتة
حلوة و الا ملتووووتة ؟!!!!

أهمّية وجود المستشار....لرئيس الدوله الحمار



المستشار السياسى المقرّب لأى رئيس دوله هو العقل المدبّر الذى يفكّر به رئيس الدوله على صعيد السياسه الخارجيّه وهو القوّه الدافعه المحرّكه لقرارات واتّجاهات السياسه الخارجيه.


وغالبا ما يكون المستشار السياسى شخص يملك قدرات عقليه نابغه ولكنه لايملك مقوّمات الزعامه الشعبيّه أو قبول المحتمعات الدوليّه,وفى أكثر الأحيان يكون له خلفيّه ثقافيّه وعلميّه مرتكزه على حاله استثنائيه من تنبّه العقل والحواس ورباطة الجأش ولكنه يفتقد الى الكاريزما,ويوصف فى أحيان كثيره بأنّه هو الشخص الذى يستطيع التفكير واتخاذ القرارات السليمه تحت الضغوط الشديده ولكنّه ليس الشخص المؤهل لاعلان هذه القرارات أمام الصحافه والاعلام وليس بالقادر على حشد التأييد الشعبى أو العالمى لها وهى المهمّه التى يقوم بها رئيس الدوله.


فى بعض الأحيان يكون دور هذا الشخص دورا استشاريا فقط كما يحمل مسمّى وظيفته من معان, وذلك عندما يكون رئيس الدوله متمتّعا هو الآخر بقسط كبير من الحكمه وبعد النظر وحدّة الذكاء,وفى أحيان أخرى يكون دوره مساندا لرئيس الدوله فى وقت الأزمات كما تابعنا نبيل أبو ردينه وهو ملتصق بالرئيس الراحل ياسر عرفات فى أثناء المقابلات الصحفيه المعقوده معه وهو تحت الحصار الذى كان مفروضاً عليه فى مقر رئاسته برام الله لفترة طويلة فى العامين الأخيرين من حياته , فنظرا لانهاك عرفات بدنيا واستنزافه فكريا وصحيا تحت تأثير قلّة النوم وعصابة الموقف الذى ينوء تقدّم عمره بهما ويعجز بالكامل عن تحملها جميعا فى نفس التوقيت فقد كان فم أبو ردينه فى أذن عرفات طوال الوقت ليعطيه فقط كلمة المفتاح التى تضعه على أول مشوار طريق الرّد على السؤال المطروح تاركا لعرفات باقى المهمّه تماما كالملقّن من وراء كمبوشة المسرح الذى يذكّر الممثّل بأول كلمات مقطع الحوار تاركا الباقى له,بل ووصل الأمر الى درجة انتقاء أبو ردينه للمرادفات الانجليزيّه التى تعبّر عن ما يريد عرفات قوله بالعربيّه ضمانا لدقّة التعبير وهو مالم يجد عرفات فيه غضاضه اذ سأل أبو ردينه أمام الكاميرات عن المرادف الأدق لكلمة قرارات الأمم المتّحده فكان أن انتقى له أبو ردينه كلمة Resolutions وهى المرادف الأكثر صحّة و الأوقع فى التعبير.وقد يبرز دور المستشار المقرّب لرجل الدوله لا لقصور فى امكانيّات رجل الدوله الذهنيّه ووعيه السّياسى بل أيضا لتمتّع هذا المستشار بقدرات تفوق العاده كما جسّد هذا عادل امام فى فيلم طيور الظلام حيث كان يضع رجل الدوله المهم على أول طريق تصريحاته بكلمة واحده مثل "فاسد...اهبشه" ليبدء رجل الدوله خطابا سياسيا ناريّا عن الفساد ومحاربته ملقيا الرعب فى قلوب خصومه بالتهديد والوعيد المستترين مستغلا كاريزمته وأسلوبه الخطابى ومركزه السياسى الكبير.


ولكن أكثر حالات الاحتياج للمستشار السياسى تبرز عندما يكون رئيس الدوله"أبيض من الصينى بعد غسيله" أو ذو خلفيّه فكريّه أو ثقافيّه أو سياسيّه ضعيفه ان لم تكن منعدمه,أو كان لايتمتّع بقسط كبير من الذكاء ان لم يكن على قدر منقطع النّظير من الغباء, أو كان سطحيا أو تافها أو قصير النظر ولايرى أبعد من موطئ قدميه, وبالاختصار يتعاظم دور هذا المستشار كلّما كان رئيس الدوله حمار,تماما كما هو حال احتياج "جورج بوش" لوجود مستشار الأمن القومى والسياسه الخارجيّه فى حكومته.



ولعلّه من قبيل تقرير الواقع وليس الاتيان بشيئ جديد أو غير معلوم تعديد الصفات المذكوره أعلاه والتّى يتمتّع بها ذلك الجحش الأمريكى المدلّل الذى لايفقه فى حياته سوى الهروب من صداع البيت الأبيض ليلعب الجولف فى مزرعته بتكساس كالموظّف الكسول الهارب من مهام وظيفته ليتسكّع على القهاوى للعب الدومينو أو كالتلميذ الخائب "المزوّغ" من مدرسته لدخول حفلة الصباح فى دور السينما من الدرجه الثالثه.ولعلّه ليس من المستغرب أن يكون هذا التّافه المنتمى لأجلاف الجنوب الأمريكى ذوى الرقاب الحمراء التى طالما أطلق الأمريكيين أنفسهم النكات والتشنيعات عليهم على رأس حكومة هذه الدّوله منعدمة الأصل والتاريخ وباختيار الأمريكيين أنفسهم رغم انّه لم يعرف كيف ينطق اسم رئيس وزراء أسبانيا على هامش زيارته لمدريد ولم يكن يعلم اسم برويز مشرّف حتى أضطر للتعامل معه بعد أحداث سبتمبر,وأراهن أنه كان يعتقد أن كابول ماهى الا اسم أحد محلاّت الهمبرجر فى بنسلفانيا أو ساوث كارولينا حتّى أعلمه المحيطين به بحقيقتها الجغرافيّه, وسبب عدم الاستغراب أن رئيس أى دوله منتخب انّما يعبّر عن غالبية شعبه,وغنى عن الذّكر بالطبع أن نسبة كبيرة من الأمريكيين تتسم بالهامشيّه والتفاهه وانعدام الوعى السياسى والثقافه العامّه , فهم شعب لاتقرأ نسبة كبيرة منه الاّ سوبر مان وبات مان ومجلاّت البورنو والبلاى بوى وصفحات الرّياضه أثناء الجلوس كل صباح على التواليت فى الحمّام لمتابعة أخبار السوبر بول وعودة مايكل جوردان لملاعب السلّه الأمريكيّه , ولا يتابعون على التليفزيون الا الحلقات الكوميديّه و ملاحم الـ"فالكون كريست" و"داينستى" و"نوتس لاندينج" التى تعرض لهم كل يوم علاقة حب فى الفراش بين كل أعضاء العائله التى تدور الحلقات عنها فى تباديل وتوافيق تثير الشفقه علي مجتمعهم المتفسّخ أكثر مما تثير الاشمئزاز و الرغبه فى التقيأ, وهم شعب فى أغلبه لا يعرف معنى الثّقافه العامّه والاطّلاع كأقرانهم الفرنسيين والبريطانيين والألمان والايطاليين مثلا وبدلا من أن "يختشوا على دمّهم" ويغاروا من هذه الشعوب ذات التاريخ الراسخ فانّهم يدارون خيبتهم الثقيله التى ستظهر حتما اذا ما وضعوا تحت المقارنه معهم بأن يتهكّموا عليهم ويطلقون عليهم التشنيعات تارة على البرود البريطانى وأخرى على لكنة الفرنسيين فى نطق الانجليزيّه وعلى صرامة الألمان وحرارة دم الايطاليين بدلا من أن يحاولوا بناء تاريخ لأنفسهم عوضا عن ذلك الذى سطر فى صفحاته أن أجدادهم ما كانوا سوى حفنه من المغامرين والمنفيين وعديمى القيمه فى أوروبا والباحثين عن الذهب والثراء فى مجاهل الغرب على أنقاض جماجم السكّان الأصليين الّذين طالما وقّعوا معهم المواثيق ثم خانوها لينفلتوا فيهم تذبيحا وابادة فكانت النتيجه أن أفرزوا للعالم أحفادا متباهين بقوه غاشمه تعوم فوق بحر من الجهل والسطحيّه تتجلّى فى شبّانهم الذين لايعلمون عن ماوراء خارج حدودهم سوى هونولولو و أكابولكو ولا تمثّل حركتهم السياحيّه التثقيفيّه أو المعرفيّه أو التاريخيّه سوى جزء هامشى يذوب خجلا أمام نصيب الأسد من حركتهم السياحيّه المندرجه تحت بند سياحة اللّذه وشواطئ العراه وكرنفالات الشواذ , ولا يعلم طلاّب مدارسهم الاجابه عن أسئله من عيّنة " ماهى عاصمة الدنمارك" فيكون الرّد غالبا " لا أعلم من دول آسيا سوى الصين واليابان والفلبين" المصيبه والكارثه ليست فى احتياج الحمار للمستشار, ولكنّها تكمن فى أن يكون المستشار أيضا حمار, ولهذا كانت الطامه الكبرى بوجود تلك الأكاديميّه المسمّاه "كوندوليسا رايس" كمستشارة أمن قومى وسياسه خارجيه - قبل أن تصبح وزيرة للخارجية - لذلك "البوش" فجذبته بحبل كالثور المغمض العينين ورائها فى تبنّيها لسياسة عدم التدخّل فى الشرق الأوسط من منطلق " طب وانا مالى" وأوهمته بأن الأطراف ستحل مشاكلها بنفسها "ومافيش داعى تعكّر مزاجك وانت بتلعب جولف" وأنّه اذا احتاجت الأمور للتدخّل الأمريكى فان ثوابت السياسه الأمريكيّه معروفه وهى التواطئ التكتيكى وأحيانا المعلن "عينى عينك" مع اسرائيل , وأن العرب ماهم الا حثاله يسهل فعصهم....ولكن فات كلا الحمارين أن العرب أمّه لها تاريخ ضارب بجذوره فى عمق البشريّه وليس "ابن امبارح" و "مالوش لا أصل ولا فصل" كالأمّه الأمريكيّه , وأن العرب جنس يعتز بكرامته وقيمه وتقاليده ومن يدوس عليها فالويل كل الويل , وأنه مهما طال السبات فان العرب عائدون ومن كل هؤلاء الرعاع منتقمون,وأن صبر العرب لن يطول , ولا أدرى كيف لا تنتبه الست الهانم كوندوليسا رايس الى أن دوام الحال من المحال والا ماتحوّلت هى نفسها من خدّامه بربريه هربانه من ستّها فى مزارع وحقول فيرجينيا الى مستشارة سى البيه صاحب المزرعه فى مكتبه بواشنطن.

السبت، 5 أبريل 2008

هلاوس بنى عربان




صحيح أن الهلوسة الخالصة ظاهرة معروفة جيّدا وتعد منذ زمن طويل عرضا مرضيّا مرتبطا بالجنون....ولكن..... يجدر بنا أن ننتبه إلى أن كل انسان يمكن أن يكون معرّضا للهلوسة اللحظية وأن يكون موضع إهلاس وقتى(كما يحدث مثلا فى حالات التعب الشديد أو قلّة النوم ....الخ الخ), كما يمكن أن تكون جماعات بشريّة كاملة معرّضة أيضا للهلوسة وأن تكون موضع اهلاس فى حالة حدوث اثارة جماعية بالغة أو نشوة جماعية عنيفة أو قلق جماعى شديد للغاية...الخ الخ ... فمثلا : كان ألوف الأشخاص قد رأوا (على حد زعمهم أو على حد ادراكهم الذى لانملك وصفه بالكذب ولكن بأنه مغلوط أو فاسد أو مهلوس) عمودا من النار يرتفع من الأرض الى السماء فى ضاحية "سميرن" أثناء القاء "زابيتاى زيفى" (الملقّب بمسيح القرن السابع عشر) لأحد عظاته التى أشتهرت بأنّها الأكثر تأثيرا فى مريديه.. ومثلا: ألوف الأشخاص قد رأو (على حد زعمهم أو على حد ادراكهم الذى لانملك وصفه بالكذب ولكن بأنه مغلوط أو فاسد أو مهلوس)فى بلدة "فاتيما" البرتغالية الشمس تدور وتبدى مظاهر انفعال بشرية مختلفة فى حادثة ابّان الحرب العالمية الثانية حدث حولها لغط شديد أدّى لقيام الفاتيكان باستقصاء الموضوع.
لماذا حدث ذلك؟؟؟؟
لأن مسألة الهلوسة الجماعية مسألة أساسية و متكرّرة الحدوث ليس فقط لأن كل ادراك محاط بمركّبات اهلاسيّة تؤثّر فيه.. وليس فقط لأن هذه المركّبات الاهلاسيّة يمكن أن تشوّه الرؤية وتفسد الادراك... ولكن لأنه أيضا لايوجد فارق صميمى على صعيد التصوّر البشرى بين الهلوسة والادراك الصحيح اذ أن رؤية المهلوس لها نفس صفات الواقع الحقيقى الذى يدركه الانسان الغير مهلوس بحيث تصبح الهلوسة رؤية خيالية مغلوطة ولا واقعية ولا معقوله ولكنّها مزوّدة بشعور كامل بالواقع.
ولهذا, فان الأمم عندما يتفشّى فساد الادراك فيها بصورة جماعية (كما يحدث لنا الآن نحن العرب على الصعيد السياسى والفكرى) تحتاج الى آليّات تبرز فساد ادراكها كخطوة أولى فى طريق التخلّص من تلك الهلاوس وتصحيحها وقد تكون آليّات تصحيح فساد الادراك السياسى والفكرى عند الأمم سهلة وميسورة للغاية عندما تكون الهلوسة و تصديق اللامعقول واللامنطقى شيئا غريبا على ثقافة ومفاهيم تلك الأمم..... ولكن هذه الآليّات التى لن يتيسّر تصحيح الادراك الفاسد والمغلوط وتبديد الهلاوس الجماعية الاّ بها سيكون غاية فى الصعوبة عندما تؤمن هذه الأمم بهلاوسها لأنّها تعتنق مسبقا ثقافات ومفاهيم تغذّى اللامعقول واللامنطقى ليستحيل الوهم حقيقة ( كثقافة انتظار الامام الغائب ومفاهيم الاعتقاد فى السفيانى وثقافة الانتظار للمخلّص والمنقذ و مفاهيم الاتّكاء على ما يحمله القدر وليس على ما يمكن أن يبذل من مجهود من أجل تعبيد الطريق أمام القدر..الخ الخ فى أمّتنا العربية...).... وهو أمر بالغ الخطورة اذ يفقد كل فرد فى أمّتنا العربيّة القدرة على تبيّن هلاوسه بالاستناد الى ادراك الآخرين فى مجتمعه للتحقق من فساد ادراكه من عدمه اذ أن ما سيحدث أن القيمة التحققية للاستناد على ادراك الآخرين الفاسد لايفقد قيمته فقط بل يصبح فى منتهى الخطورة اذ يضفى المصداقيّة والواقعية على فساد ادراك من يحاول التحقّق من فساد ادراكه.
نعم...نعم...نعم
نحن (العرب) أمّة مهلوسة سياسيّا وفكريّا.....
لأننا جعلنا الزمن يفسد ذكرانا....
لأننا اصطفينا من ذاكرتنا الطويلة الأجل مقاطع هامشيّة (هى المغلوطة والمشوّشة والفاسدة) لتعشش على الدوام فى ذاكرتنا القصيرة الأجل الجاهزة دائما للاستحضار فى وقت الأزمات...بينما سمحنا باسقاط مقاطع كاملة (هى المفيدة حقّا) من ذاكرتنا الطويلة الأجل فى سلّة مهملات فكرنا....ولم نسأل أنفسنا : " أو لم تكن تلك النفايات تحتوى على ذهب وجوهر التفاصيل ذات الدلالة والفائدة التى فضّلنا بغبائنا و فساد ادراكنا تناسيها لاشعوريّا؟؟؟"
نعم...نعم...نعم
نحن (العرب) أمّة مهلوسة سياسيّا وفكريّا.....
لأننا لم نع أنه مع الزمن يحدث تآكل للذكرى المفيدة والتى تم هجرها ليصبح ادراكنا الذى كان يجب تغذيته عليها مهترئا ومليئا بالثغرات....
ولأننا لم نع أن ادراكنا وتصوّرنا لواقعنا السياسى قد أصبح مشوّها منذ البداية وأننا وصلنا الى المرحلة التى لايمكن ترقيع ادراكنا السياسى الفاسد والمهترئ ببعض الرقع المزوّقة كتلك الرقع الــ"ايكو-سنترية" التى نستخدمها لارضاء ذاتنا وابراء ذممنا والقاء اللائمة على غيرنا (حتى ولو كانوا يستحقّون اللوم وحتّى ولو كان دورهم فى تردّى أحوالنا لايمكن اغفاله)...
ولأننا بهذا أخذنا نكبت فى داخلنا شيئا فشيئا وبصورة متزايدة عبر الأجيال كل ما يجعلنا موضع نقد أو مسائلة.... لأننا حرّفنا لاشعوريّا قرائتنا للأحداث فتشوّهت شهادتنا على العصر وفسد ادراكنا وهلوسنا بفعل قوى الكبت والقوى الايهامية التى صنعناها ثم زرعناها داخل عقولنا دون أن نع أنها من الضخامة والكبر بحيث تكفى لافساد أكثر الادراكات الأممية تنبّها ولادخال أكثر الادراكات الأمميّة تيقّظا فى دوّامة الهلاوس
نعم...نعم...نعم
نحن (العرب) أمّة مهلوسة سياسيّا وفكريّا.....
ونحن فعلا نحتاج الى العلاج...
ونحتاج الى النضال ضد الخداع والفساد الادراكى والهلوسة الفكرية التى نعيشها (أى ببساطة شديدة الى النضال ضد ذواتنا) وهو مالن يتحقّق الاّ بتحليل ذواتنا وتصحيحها ونقدها باستمرار
نعم...نعم...نعم
نحن (العرب) أمّة مهلوسة سياسيّا وفكريّا.....
ونحن فعلا نحتاج الى البحث عن الحقيقة داخلنا باذلين فى سبيل ذلك أكبر جهد ممكن لتحديد الصدق انطلاقا ممّا يحتمل الصدق مبدئيّا... وانطلاقا من نقد شهادات أنفسنا حول أوضاعنا ومن شهادات الآخرين عن ذواتنا دون أن ننسى وجوب اسقاط وانتقاد كل نقد ينقدنا من أجل أن ينقدنا وليس من أجل أن يعالج ادراكنا الفاسد ويصحّح مسيرتنا اذ أن النقد المغالى فيه هو الآخر يجب أن ينتقد فى ظل توخّى الحرص ألاّ يؤدّى نقد النقد المغالى فيه لأمّتنا الى تدنّى الثقة فى نقدنا لأنفسنا وفى التفكّر فى نقد الآخرين لنا بصورة عامّة.... وهو مايجعل شفائنا من هلوستنا الفكريّة والسياسية بمثابة وصفة طبية يكتب عليها العقاقير و النصائح الطبية التالية:
=يجب أن نفعّل نقدنا الذاتى لأنفسنا و نخاصم جلدنا لذواتنا
=يجب أن نتفكّر فى نقد الآخرين لنا قدر تفكّرنا فى غرض الآخرين من نقدنا
=يجب أن نتعلم كيف نرتاب فى أنفسنا ونثق فيها فى الوقت نفسه
والى أن يتم شفائنا ,فاننى أتحسّر لأن اجابة تساؤلاتى حتّى تاريخه عما إذا كنا أمّة مهلوسة أم لا كانت :
نعم...نعم...نعم
نحن (العرب) أمّة مهلوسة سياسيّا وفكريّا...
وما وهم استدراج الأمريكان الى قلب بغداد للانقضاض عليهم والذى ظل الكثيرون فى أمّتنا يوهمون أنفسهم به أثناء غزو العراق الاّ أحد مظاهر هلوستنا السياسية التى وصلت فى تلك الأحلام الى الذروة التى ما من ذروة بعدها