الجمعة، 8 أغسطس 2008

لو كان الشوبنج رجلاً....لقتلته

ملحوظة هامة:

هذا المقال من وحى الخيال المحض لكاتبه , و لا يوجد أدنى تشابه بين أصناف الرجال المذكورة فى هذا المقال و كاتب المقال (ما تودّوناش فى داهية الله يرضى عليكم) , كما لا يوجد أى تشابه بين شخصيات هذا المقال و أى من القرّاء من الذكور أو الإناث....فإذا وجدت طيف شخصك عزيزى القارئ فى ثنايا هذا المقال فلتعلم أنك لست مستهدفاً بذاتك , و إذا وجدتِ إسمك مكتوباً صراحةً عزيزتى القارئة فى هذا المقال فتأكّدى أنكِ لستِ أنتِ المقصودة.



*****************


ظل يعتقد أن الــ"شوبنج" مشكلته هو وحده , و أن "بعبع" التبضّع لا يظهر إلا له هو وحده, و أن كراهية التسوّق و اللف فى الأسواق إنما هى ظاهرة لم تصب غيره من رجال الأرض.


و...ظل يعتقد أنه حالة شاذة بين جميع الأزواج للدرجة التى جعلته يفكّر أحياناً فى إستشارة طبيب أمراض نفسيّة علّه يعالجه بالعقاقير المهدّئة و صدمات الكهرباء و جلسات العلاج النفسى المكثفة من حالة الــ"شوبنج - فوبيا" التى تجعل الفزع يتملّكه و الضيق يغزو صدره كلّما دنت نهاية الأسبوع و إقترب موعد التسوّق الأسبوعى و الهجوم على الأسواق و إجتياح الــ"مولات" بصحبة زوجته و أولاده.


و لكنه...... و بعد أن أصبح الــ"شوبنج" مشتركاً بين أسرته و أسر أخرى صديقة بحيث تجتمع أسرته مع أسرة صديقة فى نهاية الأسبوع لتبدأ رحلة الــ"شوبنج" المشتركة....إكتشف.....أنه......ليس وحده....هذا الرجل.


فعلى الرغم من أن الــ"شوبنج" أصبح يتم بصحبة أسرة أخرى كل أسبوع , إلاّ انه إكتشف أنه مع تغيّر رب الأسرة الصديقة فإن الحوارات الذكورية المتبادلة - من تحت لتحت - تظل مكرّرة كربونياً , ليجد نفسه يستمع إلى نفس نوعية الشكوى من كل رب أسرة, و ليجد نفسه يبث هموماً مشتركة مع كل رب أسرة.


و فى واقع الأمر فإنه إذا كان التعميم و الــ"ستيريو - تايبنج" شيئ غير محبّذ , فإن هذا لاينفى أن لكل شريحة مجتمعية سمات عامة تنسحب على الأغلبية الساحقة من أفراد تلك الشرائح , و فيما يخص الــ"شوبنج" فإن السمة الذكوريّة السائدة تشير إلى أن الرجل بطبيعته لا يحب اللف و الدوران و غالباً ما يقوم بشراء ما يريده من أول متجر يجد فيه بغيته من حيث المواصفات و السعر المناسب (و هو ما يضعه فى قفص الإتهام بأنه متسرّع و مندفع و عديم الصبر و قاصر الرؤية), أما السمة الأنثوية "التسوّقيّة" السائدة (التى تجعل الرجل يتهم المرأة بطول البال لدرجة خانقة و بالتريّث لدرجة مملّة) فتتميّز بعشق اللف و الدوران و حب التسكّع فى المتاجر حباً يصل إلى درجة العبادة لدرجة أن المرأة إذا وجدت فى أول متجر يصادفها بغيتها المنشودة بالمواصفات التى تفوق ما كانت تحلم به و بالسعر الذى يقلّ كثيراً عمّا كانت تريده فإنها تقرر أن تدخل جميع المتاجر الأخرى أولاً قبل أن تعود للشراء من أول متجر وجدت فيه بغيتها ( و فى ذلك فوائد نسويّة عديدة بالطبع , إذ خلال رحلة البحث و التنقيب هذه تكون المرأة قد تبضّعت و إشترت عشرات الأشياء التى لم تكن على قائمة مشترياتها المخطط لها من الأساس , و تكون قد إستكشفت أدغال متاجر لم تكن على خريطة رحلة تبضـّعها عندما إتفقت على خطوطها العريضة مع زوجها قبل النزول من المنزل).





و فى واقع الأمر فإن ما يحدث هو أن الرجل المطحون طوال الأسبوع فى معركة الحياة المهنيّة (و التى تجعله يدور بلا هوادة كالثور فى الساقية) يصل إلى نهاية الأسبوع و قد خارت قواه و تبخّرت طاقته و "إنقطع بنزينه" , و لكن هذه الحالة المهترئة و تلك الوضعية "المدهولة" التى يدخل بها الرجل نهاية الأسبوع يقابلها على الطرف الآخر حالة من التحفز و الطاقة الكامنة و النشاط المحتبس للزوجة و الأطفال (و لهم فى هذا كل الحق إن أردنا الموضوعيّة...فالزوجة تعانى طوال الأسبوع من الملل و الرتابة و المناهدة مع الأطفال و تكرار برنامج الحياة اليومى - خاصة إذا كانت ظروف تربية الأولاد قد منعتها من العمل و ملاقاة العالم الخارجى و إفراغ طاقاتها و إكتساب أبعاد أخرى لحياتها تجعلها أكثر إستنفاراً و تفريغاً لطاقاتها فيها....أما الأطفال فيظلّون مكبوتين فى مدارسهم أو محبوسين بين جدران المنزل إن كانوا لم يبلغوا سن المدراس بعد) , و بالتالى فإن الرجل المنهك يجد نفسه و هو على إيقاع هابط من حيث الحيوية و الدافع للــ"شوبنج" فيما يقابل ذلك الــ"ريتم" "الواقع" المشابه لـ"ريتم" المسلسلات التليفزيونية إيقاع صاخب متفجّر بالحيويّة و الرغبة فى أن تكون المراكز التجارية ساحةً للصولات و الجولات من جانب الزوجة و الأطفال.


و هكذا...... و كما يحدث فى عالم المناخ كما تعلّمنا من الــ"فشرة" الجوّية....و مثلما أن الكتلة الباردة عندما تصطدم بالكتلة الساخنة فإن السماء ترعد و تبرق و تنهمر الأمطار مدراراً و تثور الزعابيب و الرياح العاتية.....فإن سيول الــ"شوبنج" تنهمر و عواصف التسوّق تثور مع كل نهاية أسبوع.


و يبرز الفارق فى الــ"ريتم" و الإيقاع و الحافز عندما يكتشف الرجل أثناء الشوبنج أنه "يجرجر" رجليه فى الوقت الذى تنهب فيه الزوجة أرض المراكز التجارية نهباً و يطلق الأطفال سيقانهم للريح فى كل حدب و صوب , ليجد الرجل نفسه و هو "ينهج" محاولاً فى يأس مجاراة ذلك الفارق.... و لكن ....هيهات.



و لعل الــ"شوبنج" لهذه الأسباب يظل أحد أكثر العوامل التى تقرّب الرجل من ربّه و تحفزه على التضرّع و الدعاء إلى الله من أعماق قلبه..... و فى تلك الأحوال يكون الدعاء غالباً فى صورة : " ياااااارب....نفسى أروّح بقى".


الظريف فى الموضوع هنا أن الرجل و هو يسير متخاذلاً و متكاسلاً و كأنه مربوط بسلاسل ثقيلة تجبره على السير فوق الأشواك فى طريق لا يحبّه و لا يستمتع به من فرط إرهاقه و إعتقاده بأن جزء كبير من التسوّق يندرج تحت بند التسكّع بلا هدف محدّد المعالم, فإنه و فى محاولة يائسة لرفع المعاناة عن نفسه ما أن يلمح مدينة ملاهى أطفال فى المركز التجارى فإنه يتهرّب من رحلة الــ"شوبنج" ليقترح على زوجته أن يصحب الأطفال فى مدينة الملاهى بينما تقوم الزوجة بالتسوّق بمفردها , و بالطبع فإن الزوجة ترحّب بهكذا إقتراحات تمنحها حرية أكبر فى اللف و الدوران داخل المتاجر دون أن يشكّل الأطفال عائقاً لها , أما الرجل الذى لا يدرك عواقب إقتراحه هذا و الذى توهّم من خلاله أنه قد أنقذ نفسه من براثن التسكّع بالمتاجر فإنه يكتشف أنه خرج من نقرة إلى دحديرة و إستجار من الرمضاء بالنار , إذ يجد نفسه و هو يبذل جهوداً مضاعفة فى مدينة الملاهى للسيطرة على الأطفال و الإطمئنان على أنهم لن يقومون بعمل مصائبهم الشهيرة , ليكتشف أن النهجان و كرشة النفس و الجرى فى مدينة الملاهى مع الأطفال أكثر بكثير ممّا كان سيلاقيه فى الشوبنج داخل المتاجر مع زوجته.



و هكذا..... يقع الرجل فريسة سائغة بين سندان المتاجر و مطرقة مدينة الملاهى , فيسلّم بالأمر الواقع , و يظل ينتظر بداية الأسبوع ليستجم فيه من معاناة عطلة نهاية الأسبوع.


و لأن القضيّة فى كثير من الأحيان و بالنسبة لكثير من الأزواج ليست قضيّة المال الذى يتم صرفه فى معارك الــ"شوبنج" و إنما هى قضية عدم إستساغته لأسلوب الشوبنج الممل و المنهك , فإن الإقتراح الأمثل يظل متمثلاً فى أن يحاول الرجل إستشفاف ميزانية الشوبنج التى كانت فى مخيّلة زوجته فى ذلك اليوم المشهود قبل النزول من المنزل , ثم يعمد إلى إغراء زوجته من أجل أن تعتقه لوجه الله بأن يعرض عليها أن يسلّمها فى يديها على مدخل المركز التجارى مبلغاً أكبر ممّا كانت تريده , و هو ما يعطيه بطبيعة الحال فرصة كى يساومها من أجل أن يسمح له الفارق بأن يجلس هو فى أحد الكافيهات ليرتشف فنجان قهوة و هو مسترخى بينما تنطلق هى و الأطفال ليقتحموا ساحة الشوبنج و يعيثوا فى المتاجر شراءاً قبل أن يعودوا إليه و هو متمترس فى قاعدته الهادئة الهانئة بعد أن يكونوا قد قاموا بــ"فرقعة" ما بحوزتهم من أموال و أفرغوا شحناتهم التسوّقية المكبوتة و تخلّصوا من أحمال كبت جدران المنزل و خنقها لهم.


أما إذا إجتمعت أسرتان فى رحلة شوبنج , فإن ربّى الأسرة دائما ما تجدهما فى مؤخّرة القافلة التى تكون البوصلة التى تقوم بتوجيهها بين أيدى الزوجتين فى المقدمة فيما يظل الأطفال كهمزة وصل بين مقدمة و مؤخرة موكب الشوبنج المهيب , و خلال تلك الرحلة فإن الزوجين لا يكفان عن الهمهمة و الإمتعاض و إبداء الإستياء مما يتعرّضان له (و يكون ذلك بصوت خفيض بالطبع و فى صورة بث أشجان متبادل) , و ربما يتخلل الحديث ذو الشجون هذا قفشات و تعليقات و تهكّمات على أسلوب الشوبنج النسوى (مع الحرص الدائم على أن يظل صوتهما منخفضاً و وجههما بشوشاً حتى لا يتم إتهامهما بأنهما من النوع النكدى و أنهما لا يمنحان زوجتيهما الفرصة للتسوّق على راحتهما).


و لعل من أكثر المواقف تكرراً فى تلك الرحلات التسوّقية الأسريّة المشتركة هى تلك اللحظات التى يتساءل فى ربّى الأسرتين المتسوّقتين عمّا إذا كان هناك أشياء أخرى معيّنة تريدها الزوجتان - بعد 4 ساعات من اللف و الدوران و التسوّق و التبضع و فى ظل حقيقة أنهما أصبحا غير قادرين على دفع عربات التسوّق التى تنوء بأحمالها - , فإن الإجابة الألمعيّة التى تلخّص المأساة و الملحمة فى إيجاز معجز هى تلك الإجابة التى تخرج بتناسق بديع و فى نفس اللحظة من فم الزوجتين :


"يعنى...مافيش حاجة محددة....بس آدينا بنتفرّج"



أما المثير للدهشة فهو أن الرجال فى كثير من الأحيان يكتشفون بعد ساعات الشوبنج الطوال أن الزوجات لم تقمن بشراء شيئ (بل و يشك الرجل أحياناً ان الزوجة تقوم بالتلكيك لأصحاب المتاجر حتى لا تشترى منهم فى نهاية المطاف و بعد أن تكون قد جعلت البائع يقوم بــ"فرد" كل ما بالمتجر أمامها - و كأن غرضها من الأساس لم يكن الشراء بقدر ما كان التسلية و من باب الفضول - , و ذلك من واقع سير المحادثات بين أصحاب المتاجر و الزوجة , حيث تجبر الزوجة صاحب المتجر على الرضوخ لجميع طلباتها و إحضار جميع المواصفات التى تريدها فى البضاعة و الوصول إلى السعر الذى حددته سلفاً.....ثم ....تتركه و لا تشترى منه شيئاً قائلة له الجملة الأنثويّة الخالدة :


" طيب...حأشوف و أبقى أرجع لك"


ثم ...تنصرف بينما الزوج ينظر إلى وجه صاحب المتجر الذى يكاد يلعن التجارة و الزبائن , و من غير المستبعد أن يشعر الزوج بنوع من التعاطف مع صاحب المتجر أو البائع - إن لم يكن شعور مستتر بالخجل منه -).


أمّا عن متعة الــ"شوبنج" لدى النساء , فإنها لا تكتمل و لا تصل إلى ذروتها إلا إذا إقترنت بحرمان الرجل من مشاهدة مباراة كرة القدم التى كان ينتظرها من أجل اللف معها فى الأسواق - و النساء معذورات فى واقع الأمر , إذ يظل الوقت المناسب للشوبنج هو الوقت الذى تقام فيه مباريات الكرة على الأغلب فى عطلة نهاية الأسبوع بعد أن أصبحت أغلب المباريات تجرى تحت الأضواء الكاشفة - ( و إن كان فى ذلك الحرمان للرجل من متابعة المباريات ميزة كبيرة إذا كان الرجل زملكاوى...إذ يستطيع بذلك أن يتقى شر أمراض السكّر و الضغط و يتفادى جلطات المخ و الذبحة الصدرية).



من أجل كل ذلك أقول:

يا أزواج العالم........إتحدوووووا



و.......

لو كان الشوبنج رجلاً.......لقتلته

ليست هناك تعليقات: