كلّما عدت إلى منزلى منهكاً مرهقاً مستهلكاً بعد يوم العمل الطويل و المضنى كلّما غمرتنى السعادة و أنا أستمع إلى صيحات طفلىّ إبتهاجاً بعودتى و هى تأتينى من خلف الباب و أنا أدير مفتاحى فيه , إلا أن سعادتى تنتابها الكثير من المخاوف عندما أكتشف أن أمامى القليل - بل و القليل جداً من الوقت نتيجة عودتى متأخراً إلى المنزل- كى أقضيه مع طفلىّ قبل أن يخلدا إلى النوم , مما يجعل إحتماليّات شعور الطفلين بالإبتعاد الروحى عنى تتعاظم.
ربّما كان قدوم طفلى الثانى بمثابة تنفسى للصعداء بعد أن كان قلقى و خشيتى من تعاظم إحساس طفلتى الأولى بالوحدة و الوحشة قد وصلا إلى الذروة بعد أن لاحظت و أنا أتأمّل سلوكها كيف تلعب مع نفسها بلا مرح و علامات التعاسة بادية على محيّاها لتنطق بكل معانى الإغتراب و الوحدة و الإستوحاش و هى فى أحضاننا نتيجة إلتزامات و ضغوط الحياة الحديثة التى أصبحت ذات إيقاع صاخب لاهث الأنفاس لتدفعنا دفعاً لنصبح كالقطارات السريعة التى لا تقف فى المحطات لتلتقف البشر و تبتلعهم داخلها إلا لماماً.
أتأمّل واقع الطفل المعاصر الذى أصبح يمتلك ما لم يمتلكه طفل على مدار تاريخ البشرية من وسائل التسلية و الإبتهاج , لأكتشف أنه أصبح وحيداً و مستوحشاً كما لم يكن طفل فى تاريخ البشريّة.
أتأمّله...
فأخشى عليه من زمن العزلة و أيّام الإستوحاش.
أتأمّله...
فأخشى عليه من أن يكون محاطاً بكل أولئك الذين يشعرونه بالوحدة...و الغربة.. و الوحشة.... و العزلة.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق