الجمعة، 8 أغسطس 2008

شكسبير أفندى...المعلّم ماكبث.. و البت ديدمونة


لاجدال من وجهة نظرى على صدق مقولة أن ويليام شكسبير هو المواطن العالمى الأول اذ ترجمت مسرحياته الى أغلب لغات الأرض المكتوبه وتجسّدت شخصياته فوق مسارح دول العالم قاطبة.


وبعيدا عن هذيان الأخ العقيد القذّافى الذى شطح خياله اللولبى الى حد تصريحه"الغريب" فى أحد المناسبات فى منتصف التسعينيّات من القرن الماضى بأنه يشك فى أن شكسبير لم يكن سوى أديب وروائى عربى الأصل اسمه فى الحقيقه"شيخ زبير"ثم قام الغرب بتحوير اسمه الى شكسبير بعد أن قام بالسطو على تراثه الأدبى وترجمته حتّى يسلبنا شرف انتماء مثل هذه العبقريّه الأدبيّه الى حضارتنا العربيّه لتنتسب الى الحضاره الغربيّه زورا وبهتانا (ولا أدرى حتّى يومنا هذا ان كان المصدر الصحفى اللبنانى الذى نشر الخبر قد فبركه أم أن الأخ العقيد شطح وجمح به خياله بالفعل وهو الشيئ الذى لاأستغربه عليه أبدا) , وبعيدا عن أن أعمال شكسبير قد جعلت من يقرأها فى أى بقعة من بقاع الأرض يشعر بها وكأنها ليست بذاك اللون الأدبى الغريب عنه , الاّ أنه لايوجد شعب أفلحت صناعة السينما به فى أن تغرق شكسبير فى محلّيتها كما فعلت السينما المصريّه لتحوّله الى شكسبير أفندى وتحوّل أبطاله الى " المعلّم لير" و "هاملت" بيه والباشمهندس "عطيل" والواد"روميو" والبت"جولييت.



وكانت بداية رحلة شكسبير أفندى فى السينما المصريّه من خلال فيلم"ممنوع الحب" للمخرج محمد كريم والذى عالج رواية"روميو وجولييت" فى اطار كوميدى موسيقى شديد المرح حيث أذعن المخرج لرغبة الجماهير التى تكره النكد وتحب الفرفشه والنهايات السعيده فلم يصرع البطل أو البطله بل أبقى على حياتهما ليعيشا فى التبات والنبات ويخلّفوا الصبيان والبنات , وهو مالم يرق للمخرج كمال سليم فصرع جميع الأبطال فى معالجته لروميو وجولييت من خلال فيلمه"شهداء الغرام".


ثم جاء المخرج عبد العليم خطّاب ليعالج روميو وجولييت من خلال جو مقارب لأجواء "فيرونا" فى القرون الوسطى عندما قام بتصوير فيلمه"العلمين" فى بوادى الصحراء الغربيّه ليبرز علاقة الحب المستحيله بين مديحه سالم و صلاح قابيل والتى انتهت بمصرعهما , وهو أقرب المعالجات السينمائيّه المصريّه لروح النص الشكسبيرى الأصلى حيث جرت الأحداث فى جو تغذّيه العداوات القبليّه والصراعات الأسريّه الطاحنه التى تحطّم قصّة الحب الكبيره.


واذا كان الملك"لير" هو ذلك الملك الانجليزى الذى تنازل عن عرشه أثناء حياته من أجل بنتيه اللتين قام زوجيهما بتأليبهما ضدّه هو شخصيّا فى النهايه , فان المخرج"أحمد ياسين" فى فيلمه "الملاعين" الذى كتبه له "عبد الحى أديب" قد اكتفى باصباغ صفة الملكيّه على بطل الروايه من خلال اسناد الدور الى "الملك" فريد شوقى ولكنّه حوّل الملك "لير" الى "المعلّم لير" حين أظهره فى ثوب المعلّم آدم الاسناوى المقاول , وتحوّل العرش الى الميراث الذى أرادت ابنتيه الحصول عليه وهو لازال حيّا , وان أضاف "أحمد ياسين" شخصية الابن النبيل الذى وقف بجانب والده فى محنته التى رأى فيها الجميع يريد أن ينهشه حيّا رغم أن والده كان يرفض الاعتراف ببنوّته ويعتبره ابنا غير شرعى ( مع ملاحظة أن ذلك لم يمنع المخرج من اغراق الفيلم فى أجواء دمويّه تنتهى بالجميع نهاية مأساويّه تدمى العيون).



ويبدو أن لعبة الملك لير أعجبت الملك فريد شوقى فقام بنفسه بكتابة معالجه أخرى للروايه من خلال فيلم"حكمت المحكمه" الذى أخرجه "أحمد يحيى", ولكن الملك فريد شوقى كان معتزّا بنفسه أثناء معالجته للروايه فقام بــ"تقييف" دوره فى فيلم "الملاعين" ليرقّى نفسه من مقاول الى قاض ثرى على المعاش يعانى من نفس المشكله مع ابنتيه (فى ظل عدم وجود أبناء غير شرعيين هذه المرّه) مع اضافة بعض التعديلات بادخال امرأه شابّه الى حياته وهى ممرّضته التى تزوّجها مما أشعل الصراع بينه وبين ابنتيه وهو ذلك الصراع الذى انتهى بتنازله عن أمواله لهما ليتخلّص من الصداع ويتفرّغ لنهل العسل مع ليلى طاهر.


أمّا عن مسرحيّة عطيل التى ظهرت على الشاشه لأول مرّه على يد عز الدين ذو الفقّار فى فيلم"الشك القاتل" فقد حوّلها المخرج حسن رضا بعد ذلك الى فيلم تحت اسم"المعلّمه" من خلال جو أحد الأحياء الشعبيّه ليتحوّل البطل الى الواد عطيل وتتحوّل ديدمونه الى تحيّه كاريوكا بنت البلد "المجدع" والتى ظهرت فى ثوب لايتمتّع بذلك النقاء المعروف عن تلك المرأه القبرصيّه الجميله التى وقع عطيل فى حبّها, بينما قام عاطف الطيّب بتقديم الروايه من خلال فيلم"الغيره القاتله" ليتحوّل عطيل الى مهندس شاب , واذا كان "ياجو" قد حقد على عطيل المغربى الأسود الذى تزوّج من الحسناء البيضاء ديدمونه والذى كان له صولات وجولات فى ميادين القتال فان دور "ياجو" فى هذا الفيلم كان هو المهندس"مخلص" الذى كان يحقد على البطل لتفوّقه عليه فى عمله وفى التنافس على قلب تلك الحسناء التى تزوّجت "عطيل المصرى" فحاول الانتقام منه بدفعه للشك فى سلوكها, ولكن عاطف "الطيّب" كان رؤوفا بالمشاهد وبديدمونه فجعل عطيل"طيّبا" هو الآخر فلم يقتل ديدمونته فى نهاية الفيلم.


والغريب أن رواية "هاملت" رغم كونها الأشهر الاّ أنها لم تعالج فى السينما المصريّه سوى مرّة واحدة على يد المخرج "حسن حافظ" فى فيلم "يمهل ولا يهمل" والذى حوّل من خلاله الأمير الدنماركى "هاملت" الى الشاب "سامى" من خلال أجواء حى شعبى , والملك الذى غدرت به زوجته الى تاجر ثرى, ومأساة الروايه الأدبيّه الى حدّوته بوليسيّه للوصول الى قاتل أب "هاملت المصرى".


وربّما كانت أكثر تجارب تمصير روايات شكسبير اقناعا هى تلك التى تناولت كوميديا "ترويض النمره" كما فعل ابراهيم عماره فى فيلم"الزوجه السابعه" الذى كانت مارى كوينى هى الشرسة فيه , وفطين عبد الوهاب فى فيلم "آه من حوّاء" الذى تكفّلت فيه لبنى عبد العزيز باظهار كم كبير من الشراسة فيه , ثم ايناس الدغيدى فى فيلم "استاكوزا" الذى جمعت رغده فيه بين الشراسه والــ...والـــ....والـــ(والاّ بلاش , مش ناقصين محاكم وقواضى)... وربما كان السبب فى ذلك مناسبة الروايه لأجواء الكوميديا المصريّه خصوصا فى ظل تقاليد بعض الأسر المصريّه القاضيه بزواج الأخت الكبرى أولا وما ينجم عن ذلك من متاعب للأخت الصغرى خاصة اذا كانت أختها الكبرى دميمه أو مريضه أو شرسه وينفر منها الرجال , وهو ماجعل من السهل معالجة الفيلم من خلال العديد من الأجواء التى تراوحت من دكتور الحمير الذى كسر شوكة بنت الذوات من خلال أحداث الفيلم التى جرت فى أحضان عزبه ريفيّه الى مهندس الديكور الذى تزوّج من الشرسه وسط أجواء سياحيّه على سواحل البحر الأحمر مع ذلك الضباب الجنسى الذى لاتستغنى عنه ايناس الدغيدى حتى ولو أضطرت الى اقحام قصّة العجز الجنسى لأحمد زكى دون مبرّر سوى "فرويديّة" الست المخرجه.



واذا كنا قد شاهدنا حتى الآن فى السينما المصريّه " المعلّم لير" و "هاملت" بيه والباشمهندس "عطيل" والواد"روميو" والبت"جولييت" فدعونى أتسائل متى سنشاهد "الأسطى ماكبث" أو "الحاج جوليانى" فى مدينة الانتاج الاعلامى؟؟؟

ليست هناك تعليقات: