الجمعة، 8 أغسطس 2008

إنفلونزا الطيور..... و حكومات الكوكو واوا


رغم أن ظهور فيروس إنفلونزا الطيور على المسرح العالمى قد دخل عامه الثالث منذ أن تم الإعلان رسميّاً عن رصد أوّل حالاته فى أحد مزارع الدواجن بالشرق الأقصى , و رغم ثورة المعلومات و فورة تقنيات الإتصالات التى جعلت مصطلح القرية الصغيرة هو الوصف الأدق لكوكبنا بعد أن أصبحت المعلومة تنتقل عبر أرجائه من أقصاها إلى أدناها فى كسر من الثانية , فإن بعض جمهوريّات البطّيخ (و هى النسخة المنقحة من جمهوريّات الموز) لا تزال مصرّة فيما يبدو على التشبّث بتراثها المتمثل فى الإعتماد على الحمام الزاجل المصاب بالكساح و لين العظام فى إستقبال المعلومات .



و يبدو أن بعض رؤساء جمهوريّات البطيّخ قد أدلوا فى بعض الأوقات بتصريحات لا تنطلى حتى على الأطفال من أجل تبرير تقاعسهم و إهمالهم و تخاذلهم فى الإضطلاع بالأمانات و المسئوليات التى أولوها و أوكلوها هم لأنفسهم من غير مناسبة و بدون ولا إحم ولا "دستور" نيابةً عن شعوبهم التى لم تخترهم بالمقام الأول.


و إذا كانت تلك التصريحات تفترض البلاهة فى المتلقى فإنها تنم عن حالة "زهايمر" سياسية ميئوس منها مع إستفحال لأمراض الإدارة و التخطيط المزمنة و التى لا شفاء منها (كذلك التصريح الألمعى الذى إستيقظ فيه رئيس أحد جمهوريّات البطّيخ ليكتشف على حين غرّة أن سبب مستنقع وحل الفقر و التردّى و الجهل و التهميش و الإنهيار و السقوط الذى ضرب فيه بوطنه "غطس" إلى الأعماق ليس فى واقع الأمر منظومة شبكة الفساد المؤلّفة من الهبّيشة و النهّيبة و المنتفعين و المتسلّقين و مصّاصى الدماء و آكلى المال الحرام و ملتهمى أكباد أبناء الشعب المتبّلة بالسحت و الرشاوى و العمولات و المحسوبيّات , و أن السبب ليس هو تلك الشبكة التى أخذت تتنامى و تتعاظم فى كنف رئيس جمهوريّة البطيخ تلك حتى أصبحت ككرة الجليد التى تتعاظم و هى تتحدّر بسرعة الصاروخ من أعلى قمّة جبل شاهق فى طريقها نزولاً لتطبق على سكّان الوادى فتسحقهم سحقاً......و إنما كان السبب فى كل ذلك هو أن فخامته – يزهزه عصره و يطوّل عمره و ينصره على مين يعاديه – قد إكتشف بعد عشرات السنين له فى سدّة الحكم أن زيادة عدد السكّان هو السبب و كأنه لم يكن يعلم عندما قفز بقدرة قادر إلى الكرسى تعداد سكّان بلده و تقديرات تزايدها خلال الخمسين عام المنظورة له فى سدّة الحكم أو حتى ينفذ أمر الله – أيّهما أقرب - ).



و عودة إلى إنفلونزا الطيور....

فبعد ثلاثة أعوام كاملة , إستيقظت ذات يوم من الأيام النخبة الحاكمة لأحد جمهوريّات البطّيخ من سباتها العميق الذى تخللته غمغمات مهلوسة أثناء التقلّب فى الفراش (من عيّنة "لا يوجد لدينا إنفلونزا طيور") لتكتشف و تكشف عن بؤر لإنفلونزا الطيور فى عديد من مناطقها المتفرّقة.


و خلال ثلاثة أعوام كاملة من النوم العميق إنفصلت فيها نخبة جمهورية البطّيخ الحاكمة عن العالم الخارجى دون أى تفكير أو تخطيط أو إعداد مسبق و منظّم للتعامل مع إنفلونزا الطيور وقائياً و إجراءياً و إدراياً و سياسياً و إقتصادياً و إجتماعياً و غذائياَ و صحياً و أمنياً.......إستيقظت حكومة جمهورية البطّيخ ذات يوم من سباتها لتخرج بقرارات عنتريّة جذريّة يصعب التعامل معها على أرض الواقع الذى كان بإمكان تلك النخب الحاكمة العمل رويداً رويداً على تغييره للأفضل و معالجة سلبيّاته خلال ثلاثة أعوام كاملة بدلاً من تلك الهرجلة و الفوضى و حالة الإرتباك التى تشوب تصرّفاتها و قراراتها بعد أن إستيقظت "إذ فجأةً"– ولم لا؟!ا...أليست تلك النخب من ذلك النوع الذى يستيقظ بعد عقود طويلة من الدكتاتورية القمعية و الحكم الشمولى لتكتشف بصورة دراميّة مفاجئة أن الإصلاح ضرورة ملحّة و أن الديموقراطية حتميّة تاريخيّة فإذا بتلك النخب الحاكمة تنبرى تحت قبب برلمانتها لتعدّل و تفصّل و تصيغ التعديلات الممسوخة فى دساتيرها ثم تطرحها للإستفتاء فى غضون أسابيع معدودة و بأسلوب سلق البيض -بل و تجرى إنتخابات رئاسيّة أيضاً فوق البيعة - .


و هكذا.....

إستيقظت جمهوريّة البطّيخ ذات يوم لتكتشف أن حكومتها السنيّة قد قرّرت بين عشيّة و ضحاها قرارات لا خلاف على أنها ربّما تكون مطلوبة أو ذات فائدة , و لكنها كانت تحتاج من تلك الحكومات لعمل على مدار سنوات حتى يكون أرض الواقع ممهداً لتنفيذها عمليّاً دون عوائق أو مصائب أو مشاكل أو مآسى شعبويّة (إذ لا يعقل أن تقوم الحكومة الألمعيّة بإبلاغ تلك المرأة التى تقوم بحل معضلة أمن أسرتها الغذائى بجوز الفراخ التى تقوم بتربيتهم فوق سطوح بيتها أنها لم يعد مسموحاً لها بذلك دون النظر إلى الضغط الإقتصادى الرهيب الذى يدفعها لذلك و الذى لم تقم تلك الحكومة بفعل شيئ تجاه تخفيفه, و لا يعقل أن يتم إبلاغ الفرارجية بصورة مباغتة أن عليهم إنهاء و تصفية أعمالهم و إغلاق محالهم دون أى تخطيط مسبق يحتسب لتلك الخطوة و يعد لها إعداداً تخطيطياً و إدارياً سليماً حتى لا يتم – و بجرّة قلم - إغلاق عشرات الآلاف من محال الدواجن الحيّة و تسريح مئات الألوف من العاملين فى ذلك القطاع فى بلد يئن تحت وطئة البطالة من الأساس (و كأنه اللى ييجى فى الريش بقشيش).... و هو ما جعل صرخة "يا عمّال العالم ..إتحدوا" تتحوّل إلى "يا فرارجية جمهوريّة البطيخ .... إتحدوا" فخرجوا فى مظاهرات عارمة إحتجاجاً على تلك القرارات التى يقول بعض الخبثاء أن تايكونات و أباطرة و هوامير إستيراد الدجاج المجمّد و أصحاب الثلاّجات و مخازن التجميد و التبريد كان لهم يد فى صياغتها و تحريكها و إعلانها من خلال النخبة الحاكمة التى دخلت معهم فى صهارة منذ أن جمعتهم شبكة الفساد تحت سقف "سبّوبة" واحدة .



و الواقع أن نخب جمهوريّات البطّيخ الحاكمة تتمتع بخفة دم متناهية و روح دعابة لا يمكن مجاراتها , فهاهو ذلك المسئول الكبير يخرج بتصريح يدعو فيه شعبه إلى التوجّه نحو اللحوم بدلاً من الدجاج , و ربّما كانت فكرة ذلك التصريح قد لمعت فى تلافيف مخّه عندما كان يجلس فى الشرفة مع زوجته فقالت له و هى تشير إلى جموع الفرارجيّة الغاضبة التى تتظاهر فى الشوارع : همّه مالهم دول؟.....فقال لها : بيتظاهروا علشان حنقفل محلاّت الفرارجيّة .......فما كان منها إلا أن إستشفت فى زوجها ملامح "لويسيّة" فتقمّصتها حالة "مارى أنطوانيتيّة" لتقول له : طيب...ما بياكلوش لحمة ليه؟!! "



صناعة الدواجن فى جمهورية البطيخ تحتاج إلى التحديث و التطوير و إلى ثورة شاملة.....نعم......لا شك و لا إختلاف على ذلك......و لكن.....أين التخطيط و الإعداد و توقع و إستشفاف الأزمات من أجل إدارتها بصورة وقائية بدلاً من التخبّط العشوائى فى القرارات الإرتجاليّة تحت ضغط المفاجئة (و هى مفاجئة تشبّهنى بتلك السنيورة التى ظلّت "ماشية" مع الواد بتاعها طوال أيّام الثانوى و الجامعة و لكنه عندما يقرر الزواج منها فإنها تتصنّع البلاهة و تستحضر الذهول قائلة له : "أصلك..........فاجئتنى" ).


أيها السادة....

إن جمهوريّات البطيخ كيانات فريدة تحتار عند النظر إليها أو عند محاولة فهم كيف تديرها نخبها الحاكمة , و فى المجمل فإنه من الممكن أن نقول – على هامش "مفاجئة" إنفلونزا الطيور التى باغتت تلك النخب الحاكمة و كأنها تفشت بين عشية و ضحاها بــ"كبسة زرّ" – أن تلك النخب الحاكمة التى لم تفكّر فى واقع و مستقبل صناعة الدواجن بها إنما فعلت ذلك لأن مخزونها الداجنى لا ينضب فى ظل قيامها بتدجين شعوبها التى يستمتع كل فرد فيها بأن يكون مواطن "قفص" , حتى إستحقت شعوب جمهوريات البطيخ حكومات الــ"كوكو واوا" الجاثمة على أنفاسها و التى جعلت من تدجين شعوبها....."عُرفاً" (و لم لا......أوليست شعوب لا "ديوك" فيها؟ ).


و كما قال الشاعر اللى مش فاكر إسمه :

يا فرخة كانت مالية الدنيا عليّا .....و إستكترتها حكومتى عليّا

ليست هناك تعليقات: