الجمعة، 18 أبريل 2008

و رحمة أمى ما حدّ فاهم حاجة

جملة.....قصيرة.....بسيطة......عفوية......شاهدتها على التريلاّ التى تمرق أمامى وقد كتبها سائقها عليها من الخلف :
و رحمة أمى ما حد فاهم حاجة
جملة إستثارت ضحكى للوهلة الأولى
ثم...
إستثارت التفكير العميق لأكتشف أن سائق التريلاّ رغم بساطته...إلاّ أن الجملة التى كتبها تحتوى على خلاصة الحكمة التى لا يمكن لأكثر العقول تنويراً الوصول إلاّ إليهافعندما نتفكّر فى هذه الجملة فإننا نتفكّر فى الإنسان فى حد ذاته و فى قدراته العقلية على فهم ما يدور حوله و فى تحليل الأحداث المتدفقة فى هذا العالم.
الانسان.... ذلك المخلوق الذى يعيش فى كون تموت وتنفجر وتولد وتبعث فيه نجوم بأعداد لانهائية
ذلك الكائن الفيزيائى الذى يقطن الكوكب الثالث لشمس صغيرة فى درب المجرّة
ذلك الصورة من صور الحياة الذى يسكن كرة كوكبية تدور فى كبد السماء حول كرة من نار اتضح أنها نجم قزم ضائع بين مليارات النجوم ومعزول فى طرف حجرة ريفية صغيرة
ذلك الكائن البيولوجى ذو الدماغ الأكثر نموّا بين الكائنات المعروفة (له هو على الأقل) والممثّل لأكثر فروع التطوّر الحيوانى ذلك الانسان الذى يسمّى نفسه بالكائن العاقل العارف والذى يمتلك قدرات خاصة على حل المسائل وفك الألغاز وتأمّل الأسرار
ذلك الكائن الذى يكوّن مع باقى أفراد فصيلته أجزاء متداخلة تكوّن تجمّعات ومجتمعات عملاقة له تسمّى "أمما" ليجد نفسه تابعا لها بمعايشته ومستقلاّ عنها بكينونته ذلك الانسان...
هل يعرف حقّا من هو؟؟؟
هل يعرف حقّا أين هو الآن؟؟؟
هل يعرف حقّا الى أين يمضى؟؟؟
نحن.....البشر....
هل نعرف حقّا الى أين يمضى كوكبنا؟؟؟
هل نعرف حقّا الى أين يمضى الكون الذى نحن وكوكبنا جزء منه؟؟؟
هل نعرف حقا متى وكيف ستنتهى الحياة على كوكبنا؟؟؟
هل نعرف حقا كيف ستستحيل شمسنا؟؟؟ هل نعرف حقّا ما اذا كان للحياة معنى؟؟؟
هل نعرف حقّا ما اذا كانت تلك الحياة تعطى معنى لنوعية وجودنا؟؟؟
هل نعرف حقّا من نحن؟؟؟
وهل نتصوّر العلاقة بين طبيعتنا وثقافتنا؟؟؟
هل نعرف حقّا العلاقة بين حيوانيّتنا وانسانيّتنا؟؟؟
هل نعرف حقّا ما هو التعقّل وما هو الجنون؟؟؟
هل نعرف حقاً ما هو الذى يتعارض بينهما أو الذى يربط بينهما؟؟؟؟
نحن ....البشر.....
هل نعرف حقّا ماهى الدول أو الأمم ( تلك التى تنسج حياتنا وننسج نحن تاريخها)؟؟؟؟
هل نعرف حقّا لأى شيئ يخضع التاريخ؟؟؟؟
هل يخضع للقوانين؟؟؟
أم للضرورة؟؟؟
أم للصدفة؟؟؟
أم للنزوات؟؟؟
أم لكل ذلك معا؟؟
أم لكل من ذلك بالتناوب؟؟؟؟
هل نعرف حقّا ما اذا كان تاريخ الانسانيّة فى فجر هذه الألفية يأخذنا الى انجاز عظيم غير مسبوق أم يأخذنا الى افلاس كلّى غير مسبوق؟؟؟
هل نعرف حقّا ما اذا كان عالمنا هذا يمضى برباطة جأش وخطوات واثقة نحو النمو والتقدّم رغم الهزّات المؤقّتة والأزمات الموضعية؟؟؟
أم أن عالمنا هذا قد أفرز أفكار تقدّم ونمو ضلّلتنا لتقودنا بوثبات سريعة نحو الكوارث والفناء؟؟؟
هل نعرف حقّا ماذا حدث لنا فى القرن الماضى؟؟؟
هل نعرف حقّا أكثر من أننا نتذكّر أن ذلك القرن قد تخلّلته دون انقطاع حروب واضطهادات وأزمات وأنه قد دمّرته مجزرتان عالميّتان هائلتان محت ثانيتها معالم الأولى من الذاكرة وأصبحت صورة تلك الثانية فى طريقها لأن تمحى من الذاكرة ونحن فى طريقنا الى مجزرة عالمية ثالثة محتملة ستكون قطعا الأبشع لدرجة أنها ربّما قد تكون الأخيرة؟؟؟؟
هل نعرف حقّا ما اذا كانت الحرب العالمية الأولى قد نجمت عن صدام الأمم والامبرياليّات والرأسماليّات كنتاج كان يمكن تفاديه أم كنتاج كان لابد من الوصول اليه بدليل أنه قد نجم عنها ثورة أكتوبر والستالينية والنازية والفاشية؟؟؟
هل نعرف حقّا ما اذا كانت الامبريالية هى الدرجة الأعلى من الرأسمالية أم أنها الفكرة المؤسسة للرأسمالية أم أنها المرحلة التى لابد وأن تتلوها؟؟؟
هل نعرف حقّا ما اذا كانت الرأسمالية نظام أم كائن واقعى مزوّد بالحياة أم أسطورة استحالت واقعا أم وحش بأجنحة الملائكة أم ملاك بقرون الشيطان أم أنها كل ذلك معا؟؟؟؟
هل عرفنا حقّا ماهى النازيّة بعد كل هذه العقود من اندحارها واحتضارها؟؟؟
هل عرفنا حقّا ماذا كانت عليه الستالينيّة؟؟؟
وهل عرفنا حقّا ماهو ذلك المجتمع الذى كان يسمّى سوفييتيا والذى لم يكن فيه للسوفييت أى سلطة فى الواقع؟؟؟؟
هل عرفنا حقّا ماهى تلك الدولة التى وصفت نفسها بأنها عمّالية رغم عدم استطاعة العمّال القيام بأى اضراب فيها؟؟؟
نحن....البشر.....
ألا يجدر بنا أن نسأل أنفسنا :
ألم تتوفر لنا من المعلومات والاتصالات الفورية والعالمية مالم تعرف الانسانية قط من قبل؟؟؟
أليس لدينا معرفة وعلم بالانسان والمجتمع والتاريخ وهى كلّها ناميات نموّا خارقا؟؟؟
ألا يتوافر لنا التحليلات النفسية والسوسيولوجية التى تسمح لنا بتمييز الواقع الحقيقى عن الايهام وتمييز الأيديولوجيا عن الأسطورة؟؟؟
و....طالما كانت الاجابة بــ"نعم" فإن السؤال يكون :
هل تسهم كل ضروب الاعلام والاتصال والمعرفة والعلم والكشف فى تنويرنا حقّا أم أنها تقوم بتضليلنا فى الواقع أثناء تنويرنا؟؟؟
عزيزى....
اذا كنت لا تستطيع الوصول لما أعنيه فاننى ألخّص كل ذلك فى أننى أرى أن مايحدث لنا فى العالم الآن هو أننا أصبحنا لانعرف حقّا مايحدث لنا , بل و أزعم أن ذلك الرجل البسيط كان أكثر بلاغة من أحكم الحكماء عندما كتبها على التريلاّ :
و رحمة أمى ما حد فاهم حاجة

ليست هناك تعليقات: