الجمعة، 18 أبريل 2008

التقدير الجزافى..و نظام الجباية الشافى




منظومة التقدير الجزافى للضرائب بالمحروسة هى منظومة متفردة يقوم على تنفيذها مجموعة من مندوبى الضرائب الذين تم تدريبهم من قِبل مصلحتهم المبجلة بنفس النمط التدريبى الذى يتلقاه عساكر الأمن المركزى الذين يقومون بتنظيم جموع جماهير الكرة خارج الإستاد باستعمال القاعدة الذهبيه : "لاتنظر أين تهوى بعصاك ..... فبعد أول رأس مهشمة سينتظم الجميع".






صحيح أن البعض يرى أن أولى أمر المحروسة قد أبدعوا و تفننوا فى فرض الضرائب و تشريع ضروب و ألوان الجبابة التى ما أنزل الله بها من سلطان ثم أثبتوا أنهم خارج المنافسة فى مجال التثبّت من وقوع جموع المموّلين فى براثن هذه الضرائب دون إعطاء أى فرصة لهم لمجرّد التفكير فى التهرّب منها, إلا أن المعضلة الأكبر تكمن كما أرى فيما يتعارف على تسميته بــ: التقدير الجزافى.







و لذلك , فإنه لاجدوى للطبيب الذى سافر خارج حدود البلاد والتزم بدفع ضرائب العاملين بالخارج ورسوم تصريح العمل من التظلم على التقدير الجزافى لمندوب الضرائب الذى يقدّر – جزافياً – بما يربو على الثلاثين ألف جنيه كضرائب عن عيادته المغلقة خلال عامه المنصرم,ولن يفيد هذا الطبيب إحضار فواتير الكهرباء والتليفون التى تبرهن على أن إستهلاكهما طوال العام كان....... صفراً (و هذا بالطبع بافتراض أنه لن يفاجئ بأن هذه العيادة المغلقة قد تم أيضاً إصدار فواتير كهرباء وتليفون من وحى خيال الكوبانيه والسنترال ).




و لكى يكون ذلك الطبيب واقعيّاً فإن عليه أن يسلّم بأنه لا فائدة من أن يشرح لمصلحة الضرائب قصة هذه العيادة , و أنه من قبيل العبث محاولة توضيح أن تلك العيادة ليست سوى "أوضة بعفشة ميـّه" فى بدروم منزل عائلته بالشرابيه كانت والدته قد أهدته إياها عند تخرجه لكى يقيم عيادة بها من باب "المنظرة" والمباهاة أمام جيران "ست الحبايب" و....و...و......(إبقى تعالى "ياختشى" "إنتشى" والبت "فاطنه" بنت "أختشك" علشان إبنى "سى البيه الدكتور" يشوف حكاية الزغطه دى ايه ويكشف عليها فى عيادته).....علماً بأن هذه الغرفة كانت قد ظلت مهجورة لسنين طويلة بعد وفاة الست أم بيومى (بوّابة العمارة) المريضة والمقطوعة من شجرة – يا والداه- والتى قامت والدة "سى البيه الدكتور " بإيوائها فيها لحين نفاذ أمر الله - كحسنه مستترة- (إذ أن العمارة ليست فى واقع الأمر سوى بيت عشوائى من الطوب الأحمر لــ "لم" شمل العائلة , ولهذا فإن هكذا بناء عشوائى متواضع لم يكن ليحتاج إلى"بوّابة" و لا "سيكيوريتى" ولا يحزنون)
من جهة أخرى فإن على ذلك الطبيب "المموّل" أن يدرك أنه من باب إضاعة الوقت والجهد أن يدعم موقفه أمام مدير مصلحة الضرائب بالمستندات الدالة على إقامته وعمله خارج البلاد , أو أن يرفق بملفه صورة جواز السفر المرصع بأختام الجوازات المشيرة إلى تواريخ الخروج والعودة , فالرد الجاهز هو :



" نحن نتعامل من واقع تقارير مندوبنا ياسيد , ولايمكن تغيير أى بيانات واردة بها,إدفع الأول...... وبعدين...... إتظلمّ"




وحتى لايتهمنى أحد بالإنحياز للأطباء , فإننى أقول أن نفس هذه المواقف "الجزافيّة" قد يواجهها عم فرغلى صاحب محل الخردوات والمانيفاتورة بـ"الدويقه" , إذ قد يجد ذلك الرجل - الذى تجاوز السبعين من عمره وأكل الدهر عليه وشرب - نفسه وقد تم إعلانه "على يد مُحْضَر" بأنه مطلوب للمثول أمام المحكمة بتهمة التهرب الضريبى , لتبدأ بذلك رحلة مهانة الرجل الذى يجد نفسه واقفاً فى "القفص" وسط حثالة المجتمع وعتاة المجرمين بالثلاث ساعات فى انتظار دور قضيته وقد انتفخت الدوالى التى يعانى منها حتى تكاد أن تنفجر و حتى ينتابه الدوار من إرتفاع الضغط والسكر عليه , لتصل إلى مسامعه فى النهاية كلمات مندوب المصلحة الموقر وهو يخاطب القاضى قائلا :"إن هذا المتهم الماثل أمامكم والذى تهرب من تسديد ضرائب تقدر بثمانين ألف جنيه عن نشاطاته التجاريه , والذى تناسى فضل بلده التى ربته ورعته واحتوته , إن هذا المتهم لهو عدو لدود لهذا الشعب المعطاء , وإننى أناشد عدالتكم ألا تأخذكم به أى شفقة , و أرجو من عدالتكم أن تضربوه بيد من حديد و أن تنزلوا به أقصى العقوبة , حتى يكون عبرة لأمثاله من مصاصى دماء الشعب ومستنـزفى خيرات مصرنا الحبيبة".






و فى مثل هذه الحالات , وعندما يلاحظ القاضى أن التقدير الضريبى كان جزافياً , فإنه عندما يستفسر من مندوب الضرائب عن السبب فى ذلك , فإن المندوب الهمام يرد بثقة وفخر :



"أصل سعادتك - يا باشا- لما رحت المحلّ – يا باشا - علشان أراجع دفاتره لقيت المحل متشمّع والديـّانـة حاجزين عليه لحين بيعه فى المزاد العلنى لتسديد الديون المستحقه – سعادتك..... معاليك.....يا باشا- ".
وهنا......



يستقر فى وجدان المحكمة الإطمئنان إلى نزاهة و واقعية تقرير مندوب المصلحه



و....و....و.....



"عداك العيب يا أستاذ .......رفعت الجلسة"




أما عن الحل الذى قدمه لنا "الحاج متولى" لتسوية منازعاته مع الضرائب عن طريق أن .......يتزوجها , فهو حل طليعى بلا شك, و فى واقع الأمر فإننى أجد نفسى – شخصياً - مستعداً للجوء إلى هكذا حلول إذا ما كانت مندوبة الضرائب التى سأتعامل معها بنفس المواصفات الحاصلة على شهادة الأيزو للجودة النوعية كمندوبة الضرائب التى ظهرت بالمسلسل , إذ أننى أمام هكذا مندوبة ضرائب لن أجد بد من تبنى مقولة : "لو لم أكن ممولاً ,لوددت أن أكون ممولاً".
و على هامش طليعيّة هذا الحل الــ"متولّى" , فإن جزء من طليعيته يكمن فى أنه يصلح للتطبيق بالنسبة لأصحاب المحال و الأنشطة التجارية والأعمال الحرة على مختلف المستويات (و كما يقول المثال : "كل برغوت و على قد دمه") , إذ يمكن للأسطى رضا العجلاتى – على سبيل المثال- تطبيق هذا التكتيك عن طريق إصطحاب "البت" مندوبة الضرائب "أم كدش" التى أخذت فى تضييق الخناق عليه إلى سينما "دوللى" لمشاهدة فيلم هندى يعقبه آخر مصرى من حقبة السبعينات و التى تميزت أفلامها بالمشاهد "القبيحة" و القبلات الساخنة , ثم بعد الخروج من السينما فإن كل ما على الأسطى "رضا" فعله هو التغاضى عن "منظر" ساقى مندوبة الضرائب "المعيزى" ودعوتها إلى قرطاسين ترمس تحت كوبرى قصر النيل قبل أن يدفع لسائق الميكروباص أجرة عودتها لمنزلها بالمنيب وهو يودعها بــ"تسبيلتين" حتى ترفع يدها عنه وتحل عن سماه.




ولكن.....



لحظة من فضلك...



ماذا يفعل أصحاب المحلات و الأنشطة التجارية إذا ما إزدحمت أجندات عمل مندوبات الضرائب فإذا بحظ المموّل النكد يأبى إلاّ أن يكون مندوب الضرائب الذى يقع فى "قرعته"..... رجل "خنشور"؟




إن هذه الشواهد تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن معضلة الضرائب ومشكلة تقديس بيانات تقارير مندوبى الضرائب وتقديراتهم الجزافيه ضاربة بجذورها فى عمق التربة المصرية , إذ تقرأ فى الطبعة الممصرة لكتاب كليلة ودمنة ما يلى :




"ولما إستفحل أمر تهرّب مموّلى الغابة من الجباية بحجة التقدير الجزافى تم إيداعهم فى السجون لحين البت فى قضاياهم , ويحكى أن أحد الأسود العجوزة قد تم إيداعه فى سجن الغابة لتهربه الضريبى. وفى أول أيامه بمحبسه حضر الكلب (الحارس) فوضع أمامه سباطة موز ,و عندما إعترض الأسد تجاهله الكلب , فأخذ الأسد يحدّث نفسه بأن هذه الأخطاء تحدث أحياناً نتيجة بعض اللبس فى الكشوفات, ولكن مع تكرار ذات الموقف كل يوم ولمدة أسبوع كامل هاج الأسد و ماج وطلب مقابلة مدير مصلحة ضرائب الغابة (الحمار) .
وبالفعل تم اقتياد الأسد إلىمكتب "الحمار" الذى أزاح حزمة البرسيم من على مكتبه بينما الأسد يعتذر له – بمداهنة و تملّق - عن إفساده إفطاره عليه . وعندما قدم الأسد نفسه للحمار فتح الأخير أحد أدراج مكتبه , وبعد بحث قصير أخرج أحد الملفات ونظر فيه قليلاً , ثم قال للأسد و هو ينظر إليه من فوق نظارته :" أيوه ... أيوه ... إفتكرتك.......ممممم....أنت المتهم بالتهرب من تسديد الضرائب المقدرة على أسراب البط والأوز التى قمت يإفتراسها عند بحيرة الغابه....ها يا سيدى ....ايه المشكلة؟!".
قال الأسد للــ"حمار": "المشكله – معاليك- أننى – سيادتك – أسد – يا باشا- ....و طعامى كما تعلم من اللحوم التى لا أتناول سواها...و لكن الحارس (الكلب) لا يحضر لى سوى الموز كل يوم".
وهنا .......نظر "الحمار" إلى الملف مرة أخرى , ثم قال للأسد بحدة:
" أسد على نفسك ياحبيبى....بيانات تقرير مندوب الضرائب بتاعنا مكتوب فيها فى خانه الفصيله قرد"






ليست هناك تعليقات: