الاثنين، 31 مارس 2008

القيادة اللولبية .... على الطريقة المصرية




تناقلت وكالات الأنباء العالمية خبرا عن "مايكل شوماخر" بطل العالم لسباقات الـ"فورميولا وان" مفاده أنه يفكر فى إعتزال رياضة قيادة سيارات السرعة نتيجة حالة من الملل و الإكتئاب.




ولكن.....


هل هذه هى كل الحقيقة يا "مايكل"؟!!




بالطبع لا .




فبعض الأصدقاء المقربين من سائق الفورميولا وان المحترف كانوا قد أكدوا أن السبب الحقيقى فى تفكير"شوماخر" بالاعتزال هو أنه قد أصيب بحالة من "القرف" والزهد فى ممارسة هذه الرياضة - بل وفى قيادة سيارته الخاصة داخل المدينة لدرجة تفكيره فى تعيين "شوفير" يقود له سيارته ( وذلك بعد رحلة إستجمام سياحية قصيرة كان قد قضاها "شوماخر" فى القاهرة), و يبدو أن هذه الحالة قد نبعت من إحساس الرجل بمدى خطورة ممارسة قيادة السيارات على الصحة البدنية والنفسية و العصبية بعد أن رأى ما لم تسمع به أذن من القيادة اللولبية فى شوارعنا المصرية.




البعض رأى - وعلى غرار تعلقنا وشغفنا الدائم بنظرية المؤامرة- أن هذه الإشاعات يقف ورائها الصهاينة وأعداء الدولة التواقين لضرب سياحتها وتشويه صورتها وطمس عظمة تاريخها (دون نسيان التشدق بالطبع بمقولة حضارة السبعة آلاف عام التى نرددها كالإسطوانة المشروخة دون أن نحاول إحياء تلك الحضارة بدلاً من أن نعيش حياة طفيلية على أطلال ذكرياتها) ,ولكن البعض الآخر -وأنا منهم- وجد أننا يجب أن نعترف بأن قيادة السيارات فى مصر قد أصبحت بالفعل عملية أكروباتيه وممارسة إرهابية لا أخلاقية.




لقد زار أحد المغامرين الرحالة القاهرة لما سمعه عن عجائب القيادة بها (وذلك فى نهاية رحلته الطويلة حول العالم - من التبت الى موطن القبائل البدائية فى جزر الآنتيل مروراً بغابات وأحراش الأمازون - ) , فكتب التالى فى مذكراته:






"لم أشعر فى أى من الأماكن التى إستكشفتها بمدى
الإثارة وزخم المخاطرة وروعة المغامرة كما شعرت بها فى شوارع القاهرة, فالمتجول بها
يجد نفسه فى حالة دائمة من التحفز و الإستنفار وانتظار المجهول,والمراقب لقائدى
السيارات بهذه المدينة يجد فى هذه الهواية متعة تفوق مراقبة سلوك قرود الأورانجيتان
و موسم تزاوج الكركدن الاستوائى فى بيئتهما الطبيعيه"




أما عن مذكراتى اليومية الشخصية فأنقل لكم منها ما يلى:




"كاد اليوم أن يكون آخر أيام عمرى...... فعند خروجى من باب بيتى إذا بى بـ"أوتوبيس" غاشم يقتحم شارعنا الجانبى الهادئ بأقصى سرعة ليحاول سائقه أن يلتف بالأوتوبيس عند الناصية المؤدية إلى أحد الأزقة "السد" , ففقد السيطرة عليه لينقلب على أحد جانبيه. وعند خروج السائق والكمسارى من أحد الشبابيك - وهما وياللعجب سليمين - تاركين الركاب يصارعون الموت وهم معجونين داخل الأوتوبيس قفز إلى ذهنى السؤال الملح الذى طرحته عليهما : " لماذا دخلتما شارعنا بهذه السرعة الجنونية؟؟؟!!!


الإجابة الخجولة جاءت على لسان الكمسارى وهو ينظر نظرة عتاب إلى السائق :


"انا قلت له مافيش داعى...أصل يابيه الأوتوبيس ده جديد "نوفى" و النهارده أول طلعة بيه , فالأسطى "عطوة" صمم يغير خط سيره ويعدّى بيه من تحت بيتهم علشان مراته تطلع فى البلكونة وترقع له زغروطتين".




حينئذ.....قررت المغادرة بأقصى سرعة للحاق بعملى قبل أن يتجمع الفضوليون ويزدحم الشارع , وبالفعل إستطعت إيقاف أحد سيارات الأجرة التى تشبه الحنطور والتى خرجت لى فجأة من وسط عاصفة ركامية من الدخان والهباب الأسود المنبعث من شكمانها. و ما أن دلفت إلى داخل ذلك التاكسى حتى وجدت أن أحشاء التابلوه وسلوك العدادات الغارقة فى الشحم قد إحتلت المقعد المجاور للسائق , بينما تحول المقود إلى قطعة حديدية يعلوها الصدأ و يتدلّى على جانبها سلكين (إستنتجت أن السائق يقوم بتلميسهما كلّما أراد إطلاق آلة التنبية التى كان مكان زرّها الأصلى قد سقط سهواً – على ما يبدو – من المقود).


وبنظرة سريعة على السائق العجوز المتهالك المرتدى لنظارة "كعب كوباية"- قام بتجبيرها بشريط لحام فى محاولة لترميمها - حتى أخذت أتسائل عمّا إذا كان الرجل يحمل رخصتى السيارة والقيادة أم أنه يحمل تصريح دفن.




هنا.....


تعللت للرجل بأن هناك سوء فهم حيث أننى لم أشر له حقاً ولكننى أعانى من خرّاج تحت إبطى يجعلنى أرفع ذراعى باستمرار - مثل حاملى الراية الذين يضبطون تسلل مهاجمى الزمالك- , و ما أن نفذت بجلدى من سيّارة الحانوتية التى كنت قد وقعت فى شباكها حتى إبتسم لى القدر (أو هكذا ظننت) عندما وقف لى سائق أجرة شاب مكتمل الحواس والصحة والعافية بسيارته الأجرة اليابانيه الحديثه (التى أفلت نظام التقسيط - الدال على إفلاس فكر و إبتكار بنوكنا وعجزها عن القيام بمشاريع حيوية محترمة - عقال الآلاف منها فى شوارع المحروسة ).


المهم هو أننى توكّلت على الله و ركبت السيارة بعد أن نالت وجهتى التى أقصدها قبول السائق ورضاه السامى , لأجد نفسى مخنوقا فى دخان سيجارته الكثيف , بينما إغتالت رائحة مطفئة السجائر المكتظة بالأعقاب كل ذرة أوكسجين بصالون السيارة , (وبنظرة سريعة – و متعقلة - على عضلات السائق المفتولة وآثار المطاوى الغائرة فى وجهه , قررت عدم إخباره بأن دخان السجائر يتعبنى , فآثرت إخراج بخاخ الربو من جيبى ووضعه فى فمى – من سكات... و بإحترامى -).


و.......
كانت رحلة.... إستكشاف:


فقد إكتشفت مع ذلك السائق معان جديدة للأصالة والحفاظ على التقاليد والتراث ورفض تقاليع الخواجات– المايصة - ,فالرجل لايستخدم الإشارات ويكتفى بالإشاره بيده اليسرى التى تتدلى من الشباك تارة كأنه يتفحص الإطارات أثناء السير ثم تمسك بقوائم شبكة السيارة على سقفها و كأنه يثبتها يدويا تارة أخرى,كما أكتشفت مع ذلك السائق أهميه إجراء مقياس ذكاء عند منح الرخصة ( إذ أنه كان يقوم بكل التصرفات الغبية الممكن تصوّرها - كأن يندفع إلى أقصى اليمين والإشاره حمراء ليغلق الطريق على المتجه يميناً , بينما تجده فى إشارة أخرى و هو يأخذ مكانه فى أقصى اليسار ثم يشرع فى محاربة ومعافرة الآخرين لكى يدخل إلى أقصى اليمين , او كأن يطلق آلة التنبية بصورة لحوحة و مستفزة رغم أنه يرى أن الاشارة حمراء والطريق لايتحرك -).
و.....لم يكن هذا هو كل ما فى الأمر: فلقد علمنى ذلك السائق معنى أن يشعر أحد الموهوبين (أو بالأحرى الموهومين ) بمدى ظلم الحياة لهم و بقسوة تجاهل الحظ لأصحاب المواهب المدفونة , فالرجل كان مصرّاً و حريصاً إلى أقصى درجة على أن يصيبنى بالصداع بصوته "الجهورى الجعورى" المنكر وهو يرفع عقيرته بالغناء مع الشريط الهابط الذى وضعه على أعلى صوت فى الكاسيت ولم يكف عن الغناء معه إلا لتوجيه السباب للمارة و لقائدى السيارات الأخرى – مقرناً ذلك ببعض إشارات الأصابع إياها- . و إذا كان الأديب الساخر "جورج برنارد شو" قد قال : "إذا أردت إكتشاف روحك فدع إمرأة تفعل ذلك لك" , فإننى أقول أنك إذا أردت إكتشاف كافة الأرواح الممكنة فلتركب سيارة أجرة مع ذلك السائق فى شوارع المحروسة.




لقد إكتشفت مع هذا السائق روح المغامرة عندما إمتطى صهوة الرصيف , وروح الإبداع وإكتشاف الحلول الغير تقليدية عندما إنطلق بسرعة جنونية فى الإتجاه المعاكس , وروح الود عندما "لزق" أثناء السير فى شنطة السيارة التى أمامه , وروح التحدى عندما حشر "بوز" سيارته أمام الآخرين ليقطع الطريق قبلهم , وروح الإثارة عندما إكتشفت أنه يسير بلا فرامل , وروح الترقب عندما لمحت وميض إشارة التحذير من نفاذ الوقود بالتابلوه منذ بداية المشوار , وروح الغموض عندما إكتشفت أنه يقود السيارة دون "مرايات" على الإطلاق, و...و...و....و أرواح أخرى كثيرة لا تعد و لا تحصى كادت أن تنتزع روحى من بين ضلوعى , (و إن كان الأمر لم يخل من روح الدعابة عندما تهكم الرجل على السيدات اللاتى يقمن بتسوية معاشهن ويتعلمن القيادة فى أرذل العمر لينفلتن فى الشوارع وهن يقدن السيارات بنفس الأسلوب الذى يقمن به بعمل الكروشيه وصوانى المكرونة بالباشاميل)و أصدقكم القول , فقد صدق الرجل فى تهكّمه , و لعل نظرة واحدة إلى المهرجان الذى تقيمه جارتك الحاجّة أم بطّة و هى تقوم بركن سيّارتها كفيل بالتعبير عن أسلوب قيادة ست الحاجّة.ما علينا....فقد إستمرّيت فى الجلوس على مقعدى بجانب ذلك السائق الأرعن و أنا فى غاية الثبات و رباطة الجأش , و لأننى رجل مؤمن , فلقد تمالكت نفسى من باب أن الأعمار بيد الله و من منطلق أنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا , و من أجل هذا فقد كافئنى ربّى على إيمانى بأن أنجانى من رحلتى داخل ذلك التاكسى.




**********




إنتهى إقتباسى من مذكراتى الشخصية, ولكن..... دعونى أعود إلى الموضوع الأساسى (وهو تشنيعات مايكل شوماخر):فلقد تناهى لعلمى أن سبب إكتئاب "شوماخر" الحقيقى هو أنه كان قد رسب فى إختبار القيادة بمرور مدينة نصر لأنه داس بالإطار الخلفى الأيمن على خيال القرطاس أثناء الركن ولم يعط إشارة و"دوبل فلاشر" لتحية "الباشا" الذى كان يختبره(ناهيك بالطبع عن وقاحته و صفاقته , حيت تجرّأ على الذهاب للمرور......دون أن يكون معه.....واسطة).

ليست هناك تعليقات: