الاثنين، 31 مارس 2008

الأوبن بوفيه..... و ثقافة الأبونيه



البوفيه المفتوح - و الذى يتعارف على تسميته ببوفيه الأكل حتى الإشباع - هو أحد أشكال التسويق و العروض الترويجية فى عالم المطاعم و الفنادق.


و فى حين أن "فلسفة" البوفيه المفتوح تكمن فى أن الزبون سيكون مسموحاً له بتناول كل ما يستطيع تناوله , فإن الغالبية الساحقة من الزبائن لا تحب التفلسف و تدخل رأساً فى الموضوع , و الموضوع هنا بالطبع هو : إلتهام كل ما هو مُتاح إلتهامه (حتّى ولو كانت الكمّية التى يقدم الزبون على إلتهامها أكبر بكثير من طاقة معدته).


بالطبع... فإن الزبون - "المفجوع" - و الذى يغتال البوفيه مع سبق الإصرار و الترصّد يظل يحشر الطعام حشراً فى جوفه و كأنه يسابق عقارب الساعة , و هكذا......فإنه من الطبيعى أن ترى هكذا زبون و قد أطبق الطعام على "مراوح قلبه" فكتم أنفاسه , ليتحوّل الزبون فى نهاية "وصلة" الـ"أوبن بوفيه" إلى كائن لاهث الأنفاس متحشرج الكلمات جاحظ النظرات وكأنه على وشك توديع الحياة بعد أن أصبح فى حاجة الى من يضعه على كرسى متحرّك لمغادرة صالة الطعام .....والمثير للتعجّب و الدهشة هو أنه عندما يكون الزبون على وشك مغادرة صالة الطعام وهو فى هذه الحالة المزرية من التشبّع الغذائى المفرط , فإنه لا يقوم بإنزال عينيه من على أوانى الطعام أثناء مغادرته - وكأنه يودّعها بنظرات الهيام والشوق التى يودّع بها العاشق محبوبته .


وفى العادة , فإن الهجوم الكبير على أوانى الطعام يكون من خلال هرج ومرج كبيرين وكأن يوم الحشر قد أصبح موقعه هو صالة الطعام التى تروّج لنفسها عن طريق تبنى أسلوب الأوبن بوفيه.....ففى هكذا لحظات تاريخيّه فى حياة "الأكّيلة" فإن الزبائن تجرى فى إتّجاه أوانى الطعام وهم لايلوون على شيئ , فتجد هذا يدفع ذاك , وهذه تقوم بإعطاء كتف قانونى لتلك , أما لو قادتك الأقدار للإنخراط فى أحد تلك البوفيهات المفتوحة (و هو شيئ منتظر على أى حال إذا ما وجدت نفسك مدعواً لأحد أفراح الدور العسكرية) فستكتشف و أنت تراقب المشهد أن أحدهم قد غرق طرف قميصه المتدلّى خارج بنطلونه فى الصلصة وسلطة الطحينة أثناء إنبطاحه فوق المناضد التى يوضع فوقها أوانى الطعام بعد أن ألقى بنفسه فى "الحلل" كمن يقوم بضرب غطس فى حمّام سّباحه , و ستلاحظ بالطبع ذلك الشخص الآخر وقد تلطّخ قميصه من الخلف بالكريم شانتيه من جرّاء إلتصاق زبون آخر بظهره و هو يحمل طبق الحلويّات الخاص به أثناء التدافع على الفخذة الضانى (فهناك زبائن ناصحين يقومون بالمباغتة والهجوم أوّلا فى إتّجاه الحلويّات لكى يعبّ منها عبّاً لا هوادة فيه , ثم يقومون بالإندفاع بعد أن قاموا بــ"تأمين" خزين "الحلو" للمشاركة بمعنويات مرتفعة و بسرسرة مطمئنة فى معركة الأوانى المستطرقه المصطفة على مناضد البوفيه الرئيسيّه).


و بالطبع , فإن الأمر لا يخلو من طرافة ومواقف كوميديّه , إذ أنك إذا أسعدك الحظ و وجدّت لنفسك ممرّا آمنا يكسبك موطئ قدم على منصّة التتويج أمام "حلل" الجمبرى, فإنّك –و إذ تمسك بالمغرفة وتهم بوضعها فى الحلّه لتضع فى طبقك ماتريد- فإنّك تكتشف أن المغرفة لا تتحرّك وكأنها مربوطة بسلسلة حديدية إلى عامود نور , وعندما تحاول تبيّن الأمر تكتشف أن أحدهم ممسك بيد من الفولاذ بالمغرفة (التى هى بالفعل فى يدك) ويقوم بالشعلقة بإستماتة بها , وعندما تنظر له نظرة إستياء من فوق نظّارتك فإنّه يعاجلك بإبتسامة صفراء لا تخلو من التناحه ليتبعها بقوله :


" أنا بس عايز أغرف حاجة"

(وكأنك كنت ممسكا بالمغرفة كنوع من أنواع التفاؤل وليس لكى تقوم أنت أيضا .....بــ..غرف "حاجه" ). ويزداد الطين بلة بدخول العنصر النسائى إلى حلبة النزال, فقد يدفع القدر زبونة فى طريقك لتقوم بدفعك و إلقاء نفسها عليك وحشر جسدها بينك وبين المنضدة ,لتجد نفسك واقعاً تحت تأثير تكتيك "حزام التابو" المحرّم , فتنقض عليك شحنة كهربائية تدفعك إلى الخلف من الوضع طائراً و أنت تترك مكانك –مجبراً- لها خوفاً من أن تتّهمك بأنك كنت تحاول التحرّش و الإحتكاك بها ( و بالطبع فإن الأمور تسوء أكثر عندما تدعو تلك الزبونة زوجها وأطفالها – وأحياناً جميع أصدقاء الأسرة المتواجدين- للتسلل تحت غطاء جسدها أمام المنضدة , لتكتشف- بقدرة قادر- أنك قد أصبحت بصورة مفاجئة خارج الكادر بالكامل بعد أن تجد نفسك وقد تقهقرت -إمّا إلى باب المطعم الخارجى أو إلى باب الحمّام فى أحسن الأحوال-). أما إذا كنت ممّن يحترمون أنفسهم ,فإنّك تقرّر فى الأغلب الجلوس على منضدتك فى إحترام لحين إنقشاع غبار المعركة على أمل أن تتمكّن بعد ذلك من وضع طعامك فى طبقك بعيداً عن الزحام و فى ظل إمكانية متاحة للحفاظ على ملابسك من البهدلة وقلّة القيمة و شظايا الطعام الطائشة المنطلقة كالأعيرة النارية أثناء إختلاط الحابل بالنابل.

فــ......تجلس وتنتظر و تنتظر
و تنتظر
و
تنتظر....


و تظل تنتظر , بينما معركة الأوبن بوفيه تظل على إحتدامها وحرب البوفيه المفتوح مستعرة , وأنت تتسائل فى دهشة علام هذا التدافع طالما كان البوفيه مفتوح وسينال كل زبون مراده فى النهاية. ثم....... عندما تهدأ الأجواء ويبدأ غبار ساحة الوغى فى الإنقشاع وتنزاح الأجساد التى كانت قد إجتاحت أوانى الطعام , تقوم من على الكرسى, وتخطو - واثق الخطوة تمشى ملكاً - فى أناة و تؤدة تجاه أوانى الطعام المصطفّه على مناضد الأوبن بوفيه, وتقترب, و...و..تقترب أكثر.......لتكتشف...... أنه..... لا يوجد سوى .....الخواء , وأن أوانى الطعام فارغة بالكامل بعد أن أتت جحافل الزبائن عليها. حينئذ.... تظل تنتظر فى خجل لمدة خمس دقائق بجانب مناضد البوفيه المفتوح وأنت تلقى نظر شاخصة على مناضد الحلويّات التى تم نسفها هى الأخرى...ثم ...تستجمع شجاعتك لتسأل أحد العاملين بصالة الطعام فى براءة عمّا إذا كانوا سيقومون باعادة ملئ تلك الأوانى الفارغهأم لا , فإذا بك تذوب خجلاً أمام تلك النظرة الناريّه التى يرمقك بها دون أن يرد عليك قبل أن يعطيك ظهره وينصرف وهو يهزّ رأسه محتقراً زبائن المحل فى شخصك ,فتظل متجمّداً فى مكانك لفترة,ثم تستجمع شجاعتك مرّة أخرى لتسأل نفس الرجل نفس السؤال,لينطق فى هذه المرّه موبّخا ايّاك بقوله:


الله يقطعكم , هوّه إنتم لسّه ليكم عين تطلبوا تأكلوا حاجة ثانية بعد المهرجانات دى؟؟!!

وهنا..... تسلّم بالأمر الواقع..... وتتقمّص دور منقّبى ومستكشفى الذهب فى الغرب الأمريكى القديم.... وتظل تحوم حول البوفيه المفتوح ,حتّى تكتشف بعض السلطات المنسيّة وكسرات الخبز المدفونه وسط أنقاض و ركام المعركة , فتقوم بلملمتها فى طبق , وتنزوى بها على منضدتك لتتناولها بعد أن زال عجبك من سبب هذا التدافع الهستيرى على أوانى الطعام (إذ أن مجتمعنا سيظل مصاباً على ما يبدو بعقدة النُدرة و الحرمان و نفاذ المتاح قبل إستيفاء الحاجة , وهى العقدة التى حفرتها بوجدان ذلك المجتمع طوابير الجمعيّه و ترسخت بطوابير العيش ) , ورغم أن نظرة سريعة إلى صالة الطعام الفاخرة لا بد و أن يوحى بأنه لابد من التخلّص من هواجس تلك العقدة,إالاّ أن ذلك السلوك التدافعى التزاحمى المقيت والمخجل ما يلبث أن يكشف لك أنه كان نتاج تردّى السلوك العام للزبائن بقدر ما كان أيضاً نتاج التردّى فى نوعية الخدمة التى يقدّمها المطعم بتقاعسه عن الإلتزام بواجباته تجاه زبائنه , فاذا به يفشل فى أن يبعث داخلهم شعوراً بالطمأنينة على صعيد أنه إذا حدث و أن فرغت الأوانى فسيتم إعادة ملئها.


و بهذا.... فإنّك تجد نفسك أمام طرفى نزاع كلاهما كان مذنباً.وفى ظل تلك الحالة المترديّة لأمنك الغذائى بعد أن فشلت فى الحصول على أكثر من كسرة خبز وبعض السلطات , فإنّ فكّك يتدلّى ليسقط فى حجرك من الإستياء و الحسرة على سلوكيّات الزبائن عندما تجد أحدهم وقد بدأ فى إعداد سندوتشات ليضعها فى كيس نايلون أخرجه من جيب بنطلونه بعد أن فشل فى الإجهاز على أطنان الطعام التى حشدها فى طبقه الذى أصبح هرمى الشكل فى دلالة على إعتزازه بحضارة السبعة آلاف عام.و إذا كان ذلك الزبون الـ"دنى" قد غرف فى طبقه ما يفوق طاقته بكثير, فها هو يحاول الإفلات الآن ببعض السندوتشات ليجهز عليها على إنفراد فى منزله بعد"تايم آوت" تتخلّص فيه معدته من الحمل الثقيل الذى تنوء به , و ليس من المستبعد فى هكذا مواقف أن تكتشف أنك قد نسيت نفسك وأطلت الحملقة فى ذلك الزبون لدرجة أنه قد لاحظ ذلك, و حينئذ فإن السيناريو المتوقع هو أن يتحفّز إليك ويصوّب سهام نظراته الوقحة إليك ردّا ً على نظرات إستيائك , ليتبع نظراته النارية بفتحه لفمه المحشو بالطعام و هو يقوم بمخاطبتك و التطجين فى وجهك موجّهاً لك كلمة "اللمبى" الشهيرة المصحوبة بتعبيرات الوجه الجامعة بين التناحة و البلطجة :

مع تحيّات الوحدة 12


على قدر ماتكون متعتى عند مشاهدة مباريات كرة القدم العالمية - وأحياناً العربية- على قدر ما يكون عذابى عند متابعة مبارياتنا المحلّية , إذ تمتزج فيها بدائيّة الإخراج التليفزيونى ببدائيّة أسلوب و مستوى ممارسة اللعبة.


ويبدأ العذاب مع ظهور مذيعة فقرات الربط والتى تكون فى كثير من الأحيان من قدامى المذيعات اللاتى أفلتن بأعجوبة من "التكهين" وتسربن إلى الشاشة الصغيرة - بنفس الطريقة التى تتسرب بها علب البولوبيف منتهية الصلاحية من مأمورى جماركنا المتشدقين بشعارات النزاهة وطهارة اليد التى يحققونها بغسل أيديهم بالـ"ديتول" بعد توقيع قسائم الإفراج عن مثل هذه الشحنات لتغرق فيها أسواقنا كغرق وجوه مذيعات "ماسبيرو" فى أطنان البودرة وكريمات الأساس ومساحيق التجميل فى محاولات يائسة للترميم بدلاً من النسف مع عدم إعادة البناء - .


من جهة أخرى فقد تكون مذيعة الربط من المذيعات الجدد اللاتى يتسللن إلى عزبة ماسبيرو عبر أنفاق المحسوبية وجسور المحاباة وكبارى الواسطة ( والتى تفوح رائحتها حالما تعرف إسم الأب ولقب العائلة لتكتشف أن هذه بنت الصحفى أو المذيع فلان وتلك بنت المخرج أو المعد أو المصور علان دون أى إعتبار لكونها دميمة أو بدينة أو "كدش" أو هتماء ....أو حتى بنصف لسان).


ونظراً لتكدس المبنى بالمذيعات من فلذات أكباد "الحبايب" و "القلاضيش" , و نظراً لإستنفاذ مساحات البرامج التافهة التى يمكن حشرهن بها , فإن ماسبيرو قد قرّر اللجوء إلى تكتيك الدفع بمذيعتين –وأحياناً ثلاثة- لتقديم برنامج واحد , فالحل السلس لمعضلة الإنفجار السكّانى بمبنى التليفزيون يظل هو تصدير هذه الكوارث لفقرات الربط حتى يتسنى لأى واحدة نصب كمين للمشاهد أثناء عبثه بالريموت كونترول و ترحاله على غير هدى بين القنوات , لتصطاده المذيعة على حين غرّة فى مشهد مأساوى ليس له عنوان أكثر تعبيراً من : "و لاتدرى نفس بأى أرض تموت "المدهش هنا أنه سواء كانت مذيعة الربط من الصنف الأول أو من النوع الثانى فإنها تظل فى أغلب الأحيان وفية للتقليد التراثى الذى سنته خالدة الذكر نجوى إبراهيم بارتداء اللون الأحمر أثناء تقديم المباريات من أعلى الراس حتى أخمص القدمين - من الملابس وحتى الساعات والاكسسوارات- فى مشهد يجعلنى أرجح أنه لو كان المذيعين الرجال يقدمون فقرات الربط هم أيضاً لارتدوا بذلة الإعدام الحمراء اثناء تقديم المباريات, إذ أنه لايهم فى عرف ذلك التقليد الخالد ما إذا كان الأهلى هو أحد طرفى المباراة أم لا, فالتقليد المقدّس سارى فى مباريات الزمالك مع الاسماعيلى و غزل المحلّة مع مركز شباب كفر القرايعة , وهو ذلك التقليد الذى يجعل الدم يغلى فى عروق الزملكاويه من أمثالى -خاصة إذا كانت المباراة بين الأهلى والزمالك- , ورغم أنه من المفترض أن يجعل هذا التصرّف الأهلاوية يشعرون بالخجل من ذلك التحيز الصارخ فإنه يجعلهم فى واقع الأمر يشعرون بالغبطة , و على أى حال فإن هكذا تقاليد تراثية حمراء تجعلنى أنظر إلى ذات الرداء الأحمر التى تتهته أمامى على الشاشه نظرة تؤكّد لى أن تلك الفعلة ما هى إلاّ رسالة تحذير مستترة من خطورة ماسيتم تقديمه على الأعصاب والصحة النفسيه.


ثم تنبرى تلك المذيعة بعد لحظات من التتييس والحملقة فى الكاميرا إلى أن ينبهها المخرج بأنها على الهواء عن طريق طرقعة أصابعه لها حتى يصل صوت الطرقعة إلى أذنى المشاهد فى منزله , وهو ما يجعل الشغالة تأتينى وهى تظن أننى الذى طرقعت لها أصابعى لتحضر لى دواء الضغط وحبة الذبحه التى أستعملها تحت لسانى بدلاً من اللب والسودانى أثناء المباريات.المهم أنه ما أن تبدأ المزغودة فى الكلام حتى أجد نفسى أردد معها الاكلاشيه الذى يتم استخدامه:



"والآن, أعزائى المشاهدين هواة الرياضة, ننتكل بكم إلى إذاعة خارجية على الهواء
مباشرة من إستاد الكاهرة لنكل التعليك والوصف التفصيلى لمباراة كرة الكدم بين
فريكى......و.....مع تمنياتنا بالتوفيك للفريكين"


ثم تبدأ مرحلة التعذيب الثانية, وهى الإنتظار الطويل إلى أن ينتهى إعصار الإعلانات العاصف لتلك المنتجات التى أشعر بالحاجة لأن أتخذ قراراً نهائياً بمقاطعتها نكايةً فى مديرى تسويقها الذين تهافتوا على هذا التوقيت للإعلان عنه .وما أن تنتهى الفقرة الإعلانيه حتى يبدأ مخرج الفترة فى التهتهة وهو يحاول تطبيق ماتعلمه فى كورس الكمبيوتر تحت إشراف إسم النبى حارسه "توتو" إبن جارتهم "أم دودو" ( هوّه الواد صحيح فى إعدادية , بس لهلوبة فى الكمبيوتر).و ماهى إلا لحظات و تنقلب الشاشة إلى باليتة ألوان متنافرة تتراقص فى عشوائية لتصيبك بالدوار والغثيان قبل أن تنتقل الكاميرا الى الملعب لتصطدم أذنيك بنفس الموسيقى التى لم تتغير منذ أن وعيت على مباريات الكرة فى أوائل السبعينات و حينئذ ......تكتشف إكتشافين مهمين:

أولهما أن مخرج المباراة ينتظم فى نفس كورسات توتو إبن أم دودو مع زميله مخرج الفترة (وإن كان يتفوّق على مخرج الفترة بقدرته الأكبر على التلاعب بالفونطات والكادرات فى تأثر واضح بمخرجى شرائط الافراح).

أما الإكتشاف الثانى فهو أن المباراة قد بدأت بالفعل منذ عدة دقائق لطول الفقرة الإعلانية و فى ظل الهرجلة وعدم التنسيق المعتادين فى أرض الكنانة (والتى أفرزت على الدوام تأخر رحلات مصر للطيران واصطدام القطارات وغرق العبارات فى النيل رغم بحث المسئولين -فى براءة طفولية ملائكية - عن أسباب تلك المصائب المزمنة التى نخرت عظام السياحة حتى النخاع). وهنا ....تسلم أمرك إلى الله من باب أن الله جاب...الله خد....الله عليه العوض , فتستعوض ربك فىّ متعة التعرف على أجواء الملعب وكواليس ماقبل المباراة و إنفعالات اللاعبين أثناء النزول إلى الملعب مع حمى البداية وزئير الأنصار ( فكل هذه كماليات لايستحقها المواطن المصرى,و....و......و..........."مش كفايه إن إحنا ذايعين لكم الماتش؟!!! وبعدين بلاش مياصة وصلبطة بقى , هوه إنتم لازم تاكلوا الفول بزيت الزيتون ومع السلطات؟؟!! ماإنتم طول عمركم بتاكلوه من على العربيات بزيت التموين "نمرة آخر حاجه" مع فحل بصل لكل زبائن العربيّة")


.ثم......

تبدأ مرحلة المعاناة والعذاب لمحاولة معرفة ملامح تشكيل الفريقين أثناء سير اللعب , بينما المعلّق المسكين "محتاس" بين لملمة الأوراق ومحاولة سرد التشكيل فى ظل لخبطة و دربكة السيناريو الذى ظل يعده ويحلم به و يتدرّب عليه أمام المرآة طوال الأسبوع المنصرم ,فقد شرع فى التعليق وهو "مزنوق" بين مايجرى بالفعل وما كان يجب أن يقوله قبل بدء المباراه ( وقد يزداد الطين بله إذا كان هناك هدف مبكّر قد تم إحرازه بالفعل قبل إنتقال الكاميرات للملعب , إذ يجد المعلّق حينذاك أن عليه وصف كيف تم إحراز الهدف مع الإستجارة بالمخرج أن يقوم بعرض إعادة للهدف على المشاهدين فى "محلسة" و "تملّق" مثل قوله"ان مخرجنا "العظيم" النهارده فلان الفلانى أكيد حيعيد ليكم الهدف" ...... , ولكنه عندما يكتشف أن"فيوزات" توصيلات الصوت بينه وبين سيارة التليفزيون "ضاربة" , فإنه مايلبث أن يعيد على مسامعنا إسطوانة مبررات المعلقين المشروخة والممجوجة من أن "المونيتور" لايعمل وأنه يذيع من أعلى نقطة فى إستاد القاهرة). المثير للدهشة هو أن المعلّق إذا لم يتمكّن فى تلك الحالات من التسامح ونسيان الإحراج الذى سببه له مخرج المباراة , فإنه لا يقرر الإنتقام منه , بل يقرّر أن ينتقم إنتقاماً شنيعاً فى شخص المشاهد المسكين الجالس أمام التليفزيون فى إمبابة وصفط اللبن ليجعله كالجالس على الكرسى الكهربائى فى أوكلاهوما و أوهايو (وإذا كان المعلق قد تم إجباره على أن يغنى "نبتدى منين الحكاية" فماالمانع أن يقوم هو بإجبار المتفرّج على أن يغنى .....".ظلموه").


وهنا.... يبدأ كل معلق فى تعذيب المشاهد بطريقته الخاصة : فهذا معلّق كسلان لدرجة أنه يتابع اللاعبين بالمراكز والارقام من باب أن زيد زى عبيد و تحقيقاً لمقولة محمد صبحى فى مسرحية "وجهة نظر" عندما أعلنها مدوّيةً : "و الله ما بتفرق معانا الأسماء" .و هذا معلّق يتمتع بنبرة صوت باعثة على التثاؤب بوصفه الممل و الروتينى لكل كرة بأنها حلوة حتى من قبل أن تخرج من قدم اللاعب , وحتى ولو كانت التسديدة طائشة و فى ساعة الاستاد. أما عن "الخبر أبياااااااااااااض" فهى "لازمة" ليس لها أى "لازمة" كصاحبها ..... و فى واقع الأمر فلست أعلم سبب إصرار كل معلّق على إبتداع "لازمة" و كأنها فرض مقدّس , فهذا يتحفك بالــ هللا هللا هللا , و الثانى يصدّعك بالــيااااه ياااااه يااااه ,والثالث يلاحقك بالـــ جوون و جووون و جوووون , و الرابع لا يفوّت فرصة إلاّ و يذكّرك بأنه ..."لا زالت المقدّمة بيضاء و المؤخّرة –لامؤاخذة- حمراء"). و...حدث ولاحرج عن" شلّة" المعلقين من لواءات الجيش الذين يتسللون إلى مهنة التعليق عبر بوابة مباراة الأهلى والجيش السنوية فى يوم المحارب (والمقررة علينا كالإقرار الضريبى -وإن إختلفت عنه فى إستحالة التهرب منها- ) , فمع كامل الإحترام لجيشنا الباسل و قياداته المغوارة فإن خلفية السادة اللواءات المعلّقين عن الكرة سطحية و عتيقة للغاية , ناهيك عن إفتقادهم –بحكم الوظيفة- لخفة الظل و القدرة على التواصل و التبسّط مع الأفراد......أقصد مع المشاهدين. ثم.... يأتى دور المتسللين من لجنة الحكام (و تكتمل الكارثة عندما يكون المعلّق حكماً و لواءاً سابقاً فى آن واحد , إذ يصلح المشاهد حينذاك مكرّ مفرّ مقبلٍ مدبرٍ معاً كجلمود صخر حطّه المعلّق من علِ). و فى واقع الأمر فإن التعذيب على أيدى المعلّقين صنوف و ألوان , فهذا معلّق يعيش حالة من التوهان ليعطيك الإنطباع بأنه قد توقف قبل الذهاب للإستاد فى أحد الغرز على طريق مسطرد أو كوم السمن لضرب بعض الأنفاس مع سائقى البيجو والتريللات , و ذلك معلّق يجعلك تشعر بأنك جالس على كرسى المحاضرات فى حصة التكتيك بكلية التربية الرياضية, و ذاك معلّق يشيع جوّاً من روح الفكاهة بطريقة "البمبوطية" الركيكة فى نطق أسماء اللاعبين الأجانب بحيث لايفوقها ركاكة سوى نطقه للغة العربية ذاتها , لتخرج الكلمات من فمه متقطعة كـ"تقطيع" التاكسى الـ"فيات" الذى يستجير ليتم تكهينه فيستريح ويريح البشر من عوادمه. و إذا كان نجاح بعض المعلّقين فى الظفر بمقعد فى مجلس إدارة ناديه الذى تخرّج منه أو فى إتحاد اللعبة أو أحد لجانها لا يقى المشاهد من خطر ذلك المعلّق الذى يستمر بكل "تناحه" فى مهنة التعليق , فإن ذلك قد يمكن تحمّله لو لم يكن بعض هؤلاء المعلّقين قد وصلوا إلى حالة من الإستظراف إلى الدرجة التى دفعت أحدهم إلى إتحافنا بمقولته الشهيرة :


"يا واد يا مجرم"

بينما وصلت خفة الدم بالبعض الآخر إلى درجة أننى سمعت أحدهم يقول وهو يعلّق على أحد المباريات أن حارس المرمى قد إصطاد الكرة بعد إصطدامها بالقائم قائلا لها :


"قفشتك , تعالى هنا, إنتى رايحة فين"

( وكأنه أحد "الصيّع "على الناصية و هو يتأهب لإصطياد إحدى المتبخترات بالكعب العالى أمام قهوة زكى البرنس). أمّا شلّة المعلقين الشباب الباحثين دون أمل عن هوية لهم فإننى أستسمحهم فى أن أوجه عنايتهم إلى أنهم لن يجدوها وسط أنقاض متعة المشاهد المسكين.


و هكذا....... تكتشف أن المعلقين الذين كان بإمكانهم الحفاظ على متعتك وأعصابك و تجنيبك دخول الرعاية المركزة قد رحلوا إلى الفضائيات العربية الخاصة وتواروا عن المشاهد المطحون وراء حائط الديكودر وأسوار التشفير. ولأن الغرض - على ما يبدو - ليس فقط تعذيب المشاهد ( بل التشفى فيه والتمثيل بجثته) فإن طاقم الوحدة 12 إذاعة خارجية من مخرج ومصورين يتكفلون بإتمام ذلك على أكمل وجه , و ذلك بإختيار الزوايا الخاطئة لوضع الكاميرات لإعطائك الإحساس بأنك تتلصص على المباراة كمن يتلصص على جارته من بين فتحات الشيش الضيقة وهى تقوم بتبديل ملابسها. و حدث و لا حرج عن تخبط الكاميرا فى حركات تشنجية باحثة عن الكرة وكأن حامل الكاميرا قد أصابته نوبة صرع ,لتنتهى النوبة فيكتشف المتفرج أن الكاميرا قد تُرِكَت مثبتة على وسط الملعب الخالى من اللاعبين بينما قمة الإثارة جارية فى ذات اللحظة أمام أحد المرميين ,ناهيك عن محاولات المخرجين الساذجة لنقل إنطباع الجماهير , لتجد أنك تشاهد نفس الوجوه على الشاشة فى كل مباراة وهى جاهزة و متأهبة للتصوير (فمنهم من يشير بعلامة النصر كياسر عرفات , و منهم من يرفع إبنه كشوال العجين فوق رأسه فيما الطفل يبكى مذعوراً , و منهم من يريك ماركة الموبايل الذى قام بتأجيره خصيصاً لزوم التصوير , و بالطبع لا يسلم الأمر من إصبع أوسط مفلوت فى وجهك من مشجع طائش بين الحين والآخر).


و استكمالاً لــ"رذالة" الإخراج و "سماجة" التصوير فإنه لو كان هناك جنس ناعم فى المدرجات فإن المخرج يطاردهن (حتى ولو كن شبه عبد الفتاح القصرى),ناهيك عن تثبيت الكاميرا على الأجهزة الفنية لحين إنتهاء خطورة الهجمة التى لم تراها بدلاً من نقل لمحة من الإنفعالات على الدكة. و فى الواقع فإن المشاهد يتأكّد له بما لا يدع مجالاً للشك أن المخرج......مالوش فى الكورة و لا يعرف الفارق بين الكرة و الكنتالوباية , و ذلك عندما تصل الأمور إلى......الإعادات بالسرعة البطيئة , فإذا كان هناك شبهة فى تسلّل المهاجم فإن المخرج يقوم بعرض الإعادة من الزاوية التى لا تمكّن لجنة الحكّام بالــ"فيفا" من الحكم على الكرة بينما باقى الزوايا تحت يدى المخرج الذى لا يملك الحس الكروى اللازم لإختيار الزاوية المناسبة من بينها , ناهيك عن أن تلك الإعادات يتم عرضها فى وسط الهجمات الخطيرة و بالسرعه الميته- وليس البطيئة- ( ومنذ أن كانت مشروع فكرة فى رأس أول لاعب قام بصنع الهجمة) , مع تجاهل عرض تلك الإعادات فى الوقت المناسب ( لتجد نفسك تشاهد توقف اللعب الممل أثناء علاج المصابين لدقائق عديدة قد يكون الحكمةالوحيدة منها إعطاء الفرصه للمشاهد لإلتقاط أنفاسه و وضع قناع الأوكسوجين على وجهه الــ"أسفيكسى" المختنق الحالك الزرقة).


و..... تنتهى جلسة العذاب بإنطلاق صفارة النهايه , فيسرع المخرج بنقل الكاميرا فى "زوووووم" مفاجئ على وجهٍ كالح مجهول الهوية لايعرفه أحد وهو يدخن سيجارة سوبر و "مجعوص" على أحد كراسى الفراشة خلف رجال الأمن , لتكتشف لاحقاً أنه إبن إخت حماة المخرج (والتى أعطته تحذيراً بأنه لن يدخل البيت إذا لم يبروزه لخالته و للجماهير على الشاشة).

ثم.... ترحل الجماهير , و يلف الصمت المدرجات رويداً رويداً , فينطلق عمّال الإستاد لتفحّص السبانخ والرجلة والملوخية المزروع بها أرضية الملعب التى أهدت رباطاً صليبياً ممزقاً لعدد لا بأس به من اللاعبين , بينما أنزوى أنا متقرفصاً أمام الحوض فى الحمام وأنا أقاوم نوبة الغثيان والقيئ الشرسة التى تنتابنى بعد المباريات , قبل أن أتقوقع فى سريرى مستسلماً لكمادات زوجتى الباردة ( و وصف الباردة هنا يعود بالطبع على الكمّادات وليس على زوجتى.........ماتودّوناش فى داهية), و بالطبع فإنه لا يفوت زوجتى وهى تضع الكمادات على رأسى أن توبخنى قائلة :



" آدى اللى إحنا أخدناه من الكورة يا فالح"

القيادة اللولبية .... على الطريقة المصرية




تناقلت وكالات الأنباء العالمية خبرا عن "مايكل شوماخر" بطل العالم لسباقات الـ"فورميولا وان" مفاده أنه يفكر فى إعتزال رياضة قيادة سيارات السرعة نتيجة حالة من الملل و الإكتئاب.




ولكن.....


هل هذه هى كل الحقيقة يا "مايكل"؟!!




بالطبع لا .




فبعض الأصدقاء المقربين من سائق الفورميولا وان المحترف كانوا قد أكدوا أن السبب الحقيقى فى تفكير"شوماخر" بالاعتزال هو أنه قد أصيب بحالة من "القرف" والزهد فى ممارسة هذه الرياضة - بل وفى قيادة سيارته الخاصة داخل المدينة لدرجة تفكيره فى تعيين "شوفير" يقود له سيارته ( وذلك بعد رحلة إستجمام سياحية قصيرة كان قد قضاها "شوماخر" فى القاهرة), و يبدو أن هذه الحالة قد نبعت من إحساس الرجل بمدى خطورة ممارسة قيادة السيارات على الصحة البدنية والنفسية و العصبية بعد أن رأى ما لم تسمع به أذن من القيادة اللولبية فى شوارعنا المصرية.




البعض رأى - وعلى غرار تعلقنا وشغفنا الدائم بنظرية المؤامرة- أن هذه الإشاعات يقف ورائها الصهاينة وأعداء الدولة التواقين لضرب سياحتها وتشويه صورتها وطمس عظمة تاريخها (دون نسيان التشدق بالطبع بمقولة حضارة السبعة آلاف عام التى نرددها كالإسطوانة المشروخة دون أن نحاول إحياء تلك الحضارة بدلاً من أن نعيش حياة طفيلية على أطلال ذكرياتها) ,ولكن البعض الآخر -وأنا منهم- وجد أننا يجب أن نعترف بأن قيادة السيارات فى مصر قد أصبحت بالفعل عملية أكروباتيه وممارسة إرهابية لا أخلاقية.




لقد زار أحد المغامرين الرحالة القاهرة لما سمعه عن عجائب القيادة بها (وذلك فى نهاية رحلته الطويلة حول العالم - من التبت الى موطن القبائل البدائية فى جزر الآنتيل مروراً بغابات وأحراش الأمازون - ) , فكتب التالى فى مذكراته:






"لم أشعر فى أى من الأماكن التى إستكشفتها بمدى
الإثارة وزخم المخاطرة وروعة المغامرة كما شعرت بها فى شوارع القاهرة, فالمتجول بها
يجد نفسه فى حالة دائمة من التحفز و الإستنفار وانتظار المجهول,والمراقب لقائدى
السيارات بهذه المدينة يجد فى هذه الهواية متعة تفوق مراقبة سلوك قرود الأورانجيتان
و موسم تزاوج الكركدن الاستوائى فى بيئتهما الطبيعيه"




أما عن مذكراتى اليومية الشخصية فأنقل لكم منها ما يلى:




"كاد اليوم أن يكون آخر أيام عمرى...... فعند خروجى من باب بيتى إذا بى بـ"أوتوبيس" غاشم يقتحم شارعنا الجانبى الهادئ بأقصى سرعة ليحاول سائقه أن يلتف بالأوتوبيس عند الناصية المؤدية إلى أحد الأزقة "السد" , ففقد السيطرة عليه لينقلب على أحد جانبيه. وعند خروج السائق والكمسارى من أحد الشبابيك - وهما وياللعجب سليمين - تاركين الركاب يصارعون الموت وهم معجونين داخل الأوتوبيس قفز إلى ذهنى السؤال الملح الذى طرحته عليهما : " لماذا دخلتما شارعنا بهذه السرعة الجنونية؟؟؟!!!


الإجابة الخجولة جاءت على لسان الكمسارى وهو ينظر نظرة عتاب إلى السائق :


"انا قلت له مافيش داعى...أصل يابيه الأوتوبيس ده جديد "نوفى" و النهارده أول طلعة بيه , فالأسطى "عطوة" صمم يغير خط سيره ويعدّى بيه من تحت بيتهم علشان مراته تطلع فى البلكونة وترقع له زغروطتين".




حينئذ.....قررت المغادرة بأقصى سرعة للحاق بعملى قبل أن يتجمع الفضوليون ويزدحم الشارع , وبالفعل إستطعت إيقاف أحد سيارات الأجرة التى تشبه الحنطور والتى خرجت لى فجأة من وسط عاصفة ركامية من الدخان والهباب الأسود المنبعث من شكمانها. و ما أن دلفت إلى داخل ذلك التاكسى حتى وجدت أن أحشاء التابلوه وسلوك العدادات الغارقة فى الشحم قد إحتلت المقعد المجاور للسائق , بينما تحول المقود إلى قطعة حديدية يعلوها الصدأ و يتدلّى على جانبها سلكين (إستنتجت أن السائق يقوم بتلميسهما كلّما أراد إطلاق آلة التنبية التى كان مكان زرّها الأصلى قد سقط سهواً – على ما يبدو – من المقود).


وبنظرة سريعة على السائق العجوز المتهالك المرتدى لنظارة "كعب كوباية"- قام بتجبيرها بشريط لحام فى محاولة لترميمها - حتى أخذت أتسائل عمّا إذا كان الرجل يحمل رخصتى السيارة والقيادة أم أنه يحمل تصريح دفن.




هنا.....


تعللت للرجل بأن هناك سوء فهم حيث أننى لم أشر له حقاً ولكننى أعانى من خرّاج تحت إبطى يجعلنى أرفع ذراعى باستمرار - مثل حاملى الراية الذين يضبطون تسلل مهاجمى الزمالك- , و ما أن نفذت بجلدى من سيّارة الحانوتية التى كنت قد وقعت فى شباكها حتى إبتسم لى القدر (أو هكذا ظننت) عندما وقف لى سائق أجرة شاب مكتمل الحواس والصحة والعافية بسيارته الأجرة اليابانيه الحديثه (التى أفلت نظام التقسيط - الدال على إفلاس فكر و إبتكار بنوكنا وعجزها عن القيام بمشاريع حيوية محترمة - عقال الآلاف منها فى شوارع المحروسة ).


المهم هو أننى توكّلت على الله و ركبت السيارة بعد أن نالت وجهتى التى أقصدها قبول السائق ورضاه السامى , لأجد نفسى مخنوقا فى دخان سيجارته الكثيف , بينما إغتالت رائحة مطفئة السجائر المكتظة بالأعقاب كل ذرة أوكسجين بصالون السيارة , (وبنظرة سريعة – و متعقلة - على عضلات السائق المفتولة وآثار المطاوى الغائرة فى وجهه , قررت عدم إخباره بأن دخان السجائر يتعبنى , فآثرت إخراج بخاخ الربو من جيبى ووضعه فى فمى – من سكات... و بإحترامى -).


و.......
كانت رحلة.... إستكشاف:


فقد إكتشفت مع ذلك السائق معان جديدة للأصالة والحفاظ على التقاليد والتراث ورفض تقاليع الخواجات– المايصة - ,فالرجل لايستخدم الإشارات ويكتفى بالإشاره بيده اليسرى التى تتدلى من الشباك تارة كأنه يتفحص الإطارات أثناء السير ثم تمسك بقوائم شبكة السيارة على سقفها و كأنه يثبتها يدويا تارة أخرى,كما أكتشفت مع ذلك السائق أهميه إجراء مقياس ذكاء عند منح الرخصة ( إذ أنه كان يقوم بكل التصرفات الغبية الممكن تصوّرها - كأن يندفع إلى أقصى اليمين والإشاره حمراء ليغلق الطريق على المتجه يميناً , بينما تجده فى إشارة أخرى و هو يأخذ مكانه فى أقصى اليسار ثم يشرع فى محاربة ومعافرة الآخرين لكى يدخل إلى أقصى اليمين , او كأن يطلق آلة التنبية بصورة لحوحة و مستفزة رغم أنه يرى أن الاشارة حمراء والطريق لايتحرك -).
و.....لم يكن هذا هو كل ما فى الأمر: فلقد علمنى ذلك السائق معنى أن يشعر أحد الموهوبين (أو بالأحرى الموهومين ) بمدى ظلم الحياة لهم و بقسوة تجاهل الحظ لأصحاب المواهب المدفونة , فالرجل كان مصرّاً و حريصاً إلى أقصى درجة على أن يصيبنى بالصداع بصوته "الجهورى الجعورى" المنكر وهو يرفع عقيرته بالغناء مع الشريط الهابط الذى وضعه على أعلى صوت فى الكاسيت ولم يكف عن الغناء معه إلا لتوجيه السباب للمارة و لقائدى السيارات الأخرى – مقرناً ذلك ببعض إشارات الأصابع إياها- . و إذا كان الأديب الساخر "جورج برنارد شو" قد قال : "إذا أردت إكتشاف روحك فدع إمرأة تفعل ذلك لك" , فإننى أقول أنك إذا أردت إكتشاف كافة الأرواح الممكنة فلتركب سيارة أجرة مع ذلك السائق فى شوارع المحروسة.




لقد إكتشفت مع هذا السائق روح المغامرة عندما إمتطى صهوة الرصيف , وروح الإبداع وإكتشاف الحلول الغير تقليدية عندما إنطلق بسرعة جنونية فى الإتجاه المعاكس , وروح الود عندما "لزق" أثناء السير فى شنطة السيارة التى أمامه , وروح التحدى عندما حشر "بوز" سيارته أمام الآخرين ليقطع الطريق قبلهم , وروح الإثارة عندما إكتشفت أنه يسير بلا فرامل , وروح الترقب عندما لمحت وميض إشارة التحذير من نفاذ الوقود بالتابلوه منذ بداية المشوار , وروح الغموض عندما إكتشفت أنه يقود السيارة دون "مرايات" على الإطلاق, و...و...و....و أرواح أخرى كثيرة لا تعد و لا تحصى كادت أن تنتزع روحى من بين ضلوعى , (و إن كان الأمر لم يخل من روح الدعابة عندما تهكم الرجل على السيدات اللاتى يقمن بتسوية معاشهن ويتعلمن القيادة فى أرذل العمر لينفلتن فى الشوارع وهن يقدن السيارات بنفس الأسلوب الذى يقمن به بعمل الكروشيه وصوانى المكرونة بالباشاميل)و أصدقكم القول , فقد صدق الرجل فى تهكّمه , و لعل نظرة واحدة إلى المهرجان الذى تقيمه جارتك الحاجّة أم بطّة و هى تقوم بركن سيّارتها كفيل بالتعبير عن أسلوب قيادة ست الحاجّة.ما علينا....فقد إستمرّيت فى الجلوس على مقعدى بجانب ذلك السائق الأرعن و أنا فى غاية الثبات و رباطة الجأش , و لأننى رجل مؤمن , فلقد تمالكت نفسى من باب أن الأعمار بيد الله و من منطلق أنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا , و من أجل هذا فقد كافئنى ربّى على إيمانى بأن أنجانى من رحلتى داخل ذلك التاكسى.




**********




إنتهى إقتباسى من مذكراتى الشخصية, ولكن..... دعونى أعود إلى الموضوع الأساسى (وهو تشنيعات مايكل شوماخر):فلقد تناهى لعلمى أن سبب إكتئاب "شوماخر" الحقيقى هو أنه كان قد رسب فى إختبار القيادة بمرور مدينة نصر لأنه داس بالإطار الخلفى الأيمن على خيال القرطاس أثناء الركن ولم يعط إشارة و"دوبل فلاشر" لتحية "الباشا" الذى كان يختبره(ناهيك بالطبع عن وقاحته و صفاقته , حيت تجرّأ على الذهاب للمرور......دون أن يكون معه.....واسطة).

إعلام "يوك"


سبق فى مقال لى بعنوان "إعلام الكخ و الدحّ,و مصداقية المرسل و المستقبل بحّ" أن تحدثت عن الآثار السلبية لشح الإعلام والإغراق الزائد للإعلام ومناطق العتامة والإظلام الإعلاميّه والإعلام الزائف أو الإعلام المزيّف(سواء بكسر الياء المشدّدة أو فتحها).

والحقيقة أننا ( كدول عالم ثالث تعانى من انعدام الديموقراطية ومن الإعلام الموجّه والمغلق والساعى إلى عمل غسيل مخ ليس فقط فى الداخل وإنّما أيضا للمتابعين من الخارج - رغم الفشل الذريع فى خداع كلاّ من الداخل والخارج - ) ...أقول أننا لسنا وحدنا الّذين نعانى من التزييف الإعلامى للوقائع والأحداث , إذ يحدث نفس الشيئ فى العديد من دول العالم المتقدّمة فى نظمها الديموقراطية المنفتحة والتى تتبنّى الإعلام الحر المفتوح وتحتضن سياسة المكاشفة الاعلاميّه (مع الفارق طبعا فى كمّ هذا التزييف بيننا وبينهم , ناهيك عن أسلوب إخراجهم المميّز و الغير مباشر مقارنة بأسلوب إعلامنا الساذج والمكشوف والمغرق فى التكتيكات المباشرة المفضوحة والمخجله).

و إذا كان إعلامنا المصرى يحاول أن يظهر للشعب المصرى وللمتابعين فى أنحاء العالم أن كل شيئ تمام التمام وأننا نعشق التراب الذى يمشى عليه رئيس دولتنا و مستعدّين لافتدائه بالروح والدم فإن الإعلام الصينى (وهو اعلام موجّه ومنغلق) والإعلام الأمريكى (وهو إعلام من المفترض أنه حر وغير موجّه) يفعلان نفس الشيئ - ولكن بدرجات متفاوتة فى التركيز والكمّ و تقنيّة التنفيذ- .

و فى حالة الإعلام المصرى فإن الإخراج الساقط للفيلم الإعلامى - الأكثر سقوطا - يتجلّى فى لقاءات رئيس الدولة على سبيل المثال مع شباب الجامعات الذين يتم ادخالهم معسكرات إعداد متخصّصة فى تحفيظهم وتلقينهم لأدوارهم وكلماتهم ومخارج حروفهم بل وهمساتهم فى يوم اللقاء المنتظر قبل موعده بأسابيع... وفى يوم اللقاء الموعود.... يتجلّى الإبتذال الإعلامى المستخف بعقول متابعيه عندما يقف شاب مثل الفحل وشنبه فى وجهه ليلقى وصلة مديح (كتلك التى ألقاها طلاّب المدرسة التى زارها نجيب الريحانى فى فيلم "سلامه فى خير")..... ويبدأ الغثيان يصيب كل من يتابع ما يحدث على شاشة التليفزيون عندما يقف ذلك الجحش الذى لايستحى على دمّه ولا يشعر بالخجل من نفسه وهو يلقى كلماته بأسلوب مسرحيّات المدارس الابتدائيّه و دور الحضانه ملقيا على أسماعنا فى البداية قصيدة شعرية تضاهى تلك القصائد التى ألقيت فى مدح الخلفاء الأمويين والعبّاسيين قبل أن يستهل كلماته الموجّهة الى رئيس الدولة والتى تنتمى لعيّنة "والدى الرئيس... يا أيّها الأب الحنون لكل شباب مصر...يا أيّها البدر المنير فى سماء شبيبة هذا البلد المعطاء......الخ الخ الخ....وبالطبع لاداعى لذكر ما يرد فى باقى خطاب ذلك الجحش اذ أنه يدور كلّه فى نفس فلك قصيدة المديح وكلماته الاستهلاليّه.

ثم.....يأتى دور البطولة النسائية فى تلك الأفلام الإعلامية الهابطة عندما تنبرى طالبة تناست أن من فى مثل عمرها وتكوينها الجسمانى قد أنجبن وأرضعن وفتحن بيوتا , لترتضى تلك الكائنة المبرمجة أن تنسخط بقدرة قادر الى طفلة فى دار حضانة هدى شعراوى لتلقى صورة كربونية من خطاب زميلها الذى سبقها ولكن بأسلوب القاء (فتّحى ياورده....قفّلى يا ورده) و (توينكل توينكل ليتّيل ستار) منهية خطابها بمقاطع معدّلة من مسرحيّة "سيّدتى الجميلة" ومقتبسة منها ككلمات من عيّنة :"أنت القلب الكبير.. أنت نعمة و إحسان .. وأنت.. وأنت.. وأنت ....الخ الخ " التى كان فؤاد المهندس يدرّب شويكار عليها........ لتكتشف أن الفارق الوحيد بين ذلك الفحل وزميلته من جهة وبين الأطفال الذين يحضرونهم لسيّدة الدولة الأولى فى إحتفالات أعياد الطفولة من جهة أخرى لايتعدّى كون أنهما يقولان :"بـابـا" بينما أولئك الأطفال يقولون :"مـامـا" ..... و هو ما يجعلنى أتسائل عن إمكانيّة إستخدام الهندسة الوراثية لاستنساخ نماذج بشريّة مهجّنة تستطيع أن تقول :"بـابـا و مـامـا" فى آن واحد .

أمّا عن طريقة الإخراج الصينيّة فإنّها أكثر وعياً ونضوجاً.... ويحضرنى هنا للدلالة على ذلك حادثة كان المفكّر الفرنسى الكبير "إدجار موران" قد رواها فى أحد كتبه عن زيارة "نيكسون" التاريخيّة إلى بكين عندما كان الرئيس الأمريكى ومعه لفيف من الوفد الإعلامى المرافق له يجتازون جميعا – سيراً على الأقدام - حديقة معبد صينى تحيط به بركة مياه إصطناعية فى غاية الروعة والجمال ليجدون – فى إطار هذا الجو الحالم الساحر- أطفالاً صغاراً كالملائكة يلعبون بقواربهم الصغيره فى الماء , مع أزواج من الشباب المراهقين و المراهقات الّذين يجلسون متشابكى الأيدى التى تمسك بزهور بديعة فى إسترخاء و هم يستمعون إلى موسيقى صادرة من أجهزة ترانزستور يحملونها ...... و هو ما دفع بالوفد الاعلامى الأمريكى إلى إلتقاط العديد من الصور لهذا المشهد الشاعرى قبل مغادرتهم للمكان....إلاّ أن أحد أولئك الصحفيين عاد بعد إنتهاء الزيارة ببرهة وجيزة ليستعيد شيئاً كان قد نسيه فى المكان , فإذا به يرى مدرّبين لا يعرف من أين انشقت الأرض عنهم وقد جمعوا الأطفال والمراهقين فى طوابير منتظمة , وكان كل منهم يعيد قاربه أو جهاز الترانزستور والأزهار الى المدرّب الذى أنهى عمليّة جمع الطوابير و استلام العهدة مطلقاً صفّارته ليسير الجميع بخطى إيقاعية كالمشاركين فى العروض الإحتفاليّه. و إذا كانت طريقة الإخراج الصينيّة بهذه الرومانسية الحالمة والناعمة , فإن طريقة الإخراج الأمريكية الهوليوديّة هى الأفضل على الإطلاق , وهى الأنجع والأكثر قدرة على النفاذ وتحقيق التأثير الذى تنشده على متلقّيها , إذ تجمع بين تقنيّات الاخراج والتقدّم العلمى والاعتماد على الدراسات والاحصائيّات وعلم النفس , ليتم جمع كل ذلك فى إطار يكون عنوانه هو : الأسلوب الغير مباشر فى الإرسال - بحيث يؤدّى الإعلام الغير موجّه (شكلاً) إلى تأثيرات موجّهة (موضوعاً).ولعل أبرع الأمثلة التى تجعلنى أصفّق إعجابا بماكينة الإعلام الأمريكيّة هى طريقة إنتقاء الأشخاص الّذين يشكّلون الخلفيّة وراء شخصيّات الإدارة الأمريكية الكبيرة عند إلقاء الخطب المهمّة ... فعندما ألقى دونالد رامسفيلد خطاباً فى قاعدة السيليّة قبل بدأ غزو العراق تم إعداد خلفيّة من الجنود الأمريكان ليتم تسليط الكاميرات طوال الوقت عليهم أثناء إلقاء رامسفيلد لخطابه... وهذه الخلفيّة البشريّة أشبّهها بــ"باليتّة الألوان البشريّة" اذ كانت مكوّنة من جنود ذوى وجوه تشبّهنى باعلانات الــ ”united colors of Benitton”... فهذا وجه هندى أحمر , وهذا وجه لاتينى , وذلك وجه زنجى بشفاه غليظة متدلّية , وهذا وجه أيرلندى أشقر الشعر أحمر البشرة أزرق العينين , وذلك وجه أصفر بعينين ضيّقتين مسحوبتين....الخ الخ الخ ....مع عدم إغفال قيام المخرج بزيادة نسبة الزنوج فى الخلفية عن نسبتهم الواقعيّة فى أفراد الجيش (كبائع الفول الذى يقال له :"اتوصّى بسلطة الطحينة شويّه" ) من باب إعطاء الإنطباع الغير مباشر بعدم وجود تفرقة عنصريّة فى المجتمع الأمريكى ككل ,ومن أجل تثبيت دعائم صرخة “United we stand” التى تم إطلاقها بعد هجمات سبتمبر.ويتكرّر نفس الفيلم ولكن برؤية اخراجيّة أخرى عندما قام "بوش" بالقاء خطاب له أمام الجالية العربيّة الأمريكيّة , حيث تكوّنت "باليتّة الألوان البشريّة" فى الخلفية وراء "بوش" من جميع الشرائح العمريّه والإجتماعيّه -بل والمذهبيّة- , لتجد فتاتين محجّبتين جميلتى الوجه فى مقتبل العمر , مع امرأة سافرة وأنيقة فى منتصف العمر , مع شاب أنيق فى العقد الثالث , مع رجل محترم ودائم الابتسام فى أرذل العمر , مع شيعى يرتدى الزى التقليدى الأسود ذو العمامة السوداء.....الخ الخ الخ ويتّفق الفيلمان فى التناغم والتنظيم والحرارة فى موجات التصفيق والتهليل التى تبدو وكأنّها مبرمجة وسابقة الاعداد ممّا يعطينى الانطباع بأننى أرى فى هذين الخطابين الصورة الليبراليّة الأنيقة من الخطابات الديكتاتورية القبيحة لرؤساء دول العالم الثالث الشموليّة لأكتشف أننا على ما يبدو جميعنا فى الهم شرق وأننا جميعنا يطالنا همّ فيلم الزيف الاعلامى رغم التفاوت الرهيب فى جودة ذلك الفيلم من مجتمع لآخر... وربّما أكّد ظنّى هذا ذلك الرجل الذى سمعنا صوته ولم نراه أثناء خطاب بوش وهو يصرخ فى حماسة ونشوة بالغتين :

“Thank you Bush……it is all because of you”
لتضج القاعة بالتصفيق الهستيرى المتواصل حتى أدمى المصفّقين أيديهم بينما "بوش" منفشخ الضب حتّى كاد أن يبتلع أذنيه بابتسامته البلهاء الواسعة المنتشية....... إذ ذكّرنى ذلك على الفور بخطابات رئيس دولتنا فى عيد العمّال عندما تجد أحدهم يصرخ من آخر القاعة بنفس نشوة وحماسة ذلك الرجل الأمريكى مطلقا عبارات من عيّنة :

" الله أكبر.... عشت لنا يا قائدنا... المنحه يا ريّس... "
بينما رئيس الدولة" متكيّف" على الآخر وتعلو وجهه إبتسامة الرضى , فى حين تضج القاعة بنفس التصفيق الهستيرى الذى شهدته القاعة الأمريكيّة فى خطاب بوش الأخير. ورغم أن الحالتين كما نرى متماثلتين فى الجوهر, إلاّ أنه يحلو للبعض قرائة كلاّ منهما بصورة مختلفة...إذ تعزى تلك الأحداث من وجهة نظرهم فى الحالة الأولى إلى حرّية تعبير المحتشدين فى القاعة عن أحاسيسهم , بينما يبرّرونها فى الحالة الثانية بالآليّات القمعيّة الشموليّة التى تفرض على المحتشدين فى القاعة فعل ذلك رغما عنهم... وهو ما يجعلنى أتحسّر على الاعلام الزائف والمزيّف الذى يقوم بصناعة الخبر على هواه بدلا من نقله وتحليله بمصداقيّة وهو ما يجعل الخبر فاقدا لمصداقيّته اذ أن بوسع آلة الاعلام الأمريكيّة على سبيل المثال أن تنقل نفس الخبر بطريقتين مختلفتين كأن تنقل خبرا عن قيام شابّين بقتل كلب بضربه على رأسه بقضيب معدنى أثناء تريّضهما بمانشيت عريض يقول :


"شاب شجاع ينقذ صديقه من كلب ضال مسعور هاجمهما أثناء تريّضهما"


و ذلك بالطبع عندما يتعلّق الخبر بشابّين اسرائيليين..... كما يمكنها نقل الخبر بمانشيت أعرض يقول :




" شابّين متوحّشين يقتلان حيوانا أليفا أثناء تريّضهما"


و ذلك عندما يتعلّق الخبر بشابّين فلسطينيين ( وهو ما لن يجد الاعلام العربى بدوره غضاضة على أى حال فى فعله هو الآخر -مع عكس الآية-).

الجمعة، 28 مارس 2008

وجدتها



إضغط على الصورة لمشاهدتها فى حجمها الأصلى

دول... "مقرى" فاتحتها

يبدو أن الإدارات الأمريكيّه على مر العقود الأخيره مولعة بالازدواجيّه ومعنيّه بسياسات الإزدواج وواقعه فى دباديب غرام النظريّات والتكتيكات والاستراتيجيات المزدوجه (و كأننا على مشارف أن نشهد إنبلاج فجر أيديولوجيّه جديدة تبزّ الاشتراكيّه والرأسماليّه والشيوعيّه .....وهى الأيديولوجيّه الإزدواجيّه التى تريد أن تقول بها أمريكا لنا :"وشكم فى الحيط.....و قفاكم ليّا" ).والواقع أننا ماكدنا نكتشف أبعاد الاستراتيجيّه الأمريكيّه التى عرفت باسم الاحتواء المزدوج والتّى طبّقتها بنجاح باهر فى حرب الخليج الأولى بين العراق وايران ثم فى مناطق أخرى من العالم بدرجات متفاوته من النجاح حسب أولويات أجندتها السياسيّه ( سواء بطريقه مباشره أو غير مباشره بين كلا من السودان وأوغندا و كلا من أثيوبيا وأريتريا وكلا من الهند وباكستان ) حتّى أتحفنا جهابذة الادارات الأمريكيّه بتعبير إزدواجى جديد وهو : إزدواجيّة الشرعيّه الدوليّه فى المواقف المتماثله (عن طريق تمرير قرارات جمعيّة القلاضيش المتمثّله فى الأمم المتّحده واملاء الأوامر واجبة التنفيذ لدفع مقدّرات الأمم فى الاتّجاه الذى تريده أمريكا عن طريق تحريك عروسة الماريونيت الذى وضعته على رأس هرم تلك المنظمة حتّى أصبحت آلياتها تستلم الأوردرات من المكتب البيضاوى فتسلّم القرارات بنظام الهوم ديليفيرى للبيت الأبيض)و فى حقيقة الأمر فإننى لا أعتقد أن هذا المقال أو دسته مثله كافيه لتعديد الأمثله فى هذا الصدد , فهى أكثر من أن تعد أو تحصى ( ويعرفها أى طفل فى الابتدائى نصيبه من المعرفه السياسيّه لا يتعدّى الأخبار التى يقرأها بالصدفه على ورقة الجريده التى يلف له فيها عم بيومى البطاطا أمام باب مدرسته)أمّا موضة الأعوام الأخيرة الازدواجيّه التى أتحفتنا بها دار "بوش-فاشون" للأزياء السياسيّه فهى موضة الحرب المزدوجه ( وهى فى واقع الأمر ثمرة التعاون مع مؤسسة "شارون ستايل"- التى خلفتها شركة "أولمرت ستايل" لأسباب صحّية - , و هو مشروع الأزياء المتخصص فى ملابس الاغراء السياسى - حسب العقد المبرم بين الطرفين منذ مساء 11 سبتمبر الأسود.....وهو الكونتوراتو الذى حطّم النظريّات الهندسيّه القائله بأن الخطّين المتوازيين لا يلتقيان ولكن هذا العقد المبرم بين الطرفين أثبت التقاء وتواصل حربين متوازيتين بل وتعانقهما أيضا ولا عزاء لفيثاغورث - )واذا كان البعض يعتقد أن الترتيب الزمنى للحربين يقول بأن الحرب الأولى هى حرب الاداره الأمريكيّه ضد ماتسمّيه بالارهاب (خاصّة فى الشرق الأوسط وآسيا الصغرى ) , وأن الحرب الثانيه هى حرب شارون ضد الانتفاضه الفلسطينيه - و التى أكملها "أولمرت"-, فإن الترتيب الصحيح للأحداث يقول بأن الحرب الشارونيه هى الحرب الأولى( اذ إنطلقت مع حكومة باراك فى سبتمبر 2000 بزيارة شارون الاستفزازيه للأقصى ثم تبلورت بعد وصوله للحكم ) واذا كان الهدف من حرب شارون التى أكملها "أولمرت" و التى اتخذها كمجمل مشروع إسرائيل السياسى هو تدمير البنيه التحتيّه والمؤسساتيّه للفلسطينيين ونسف مقرّرات السلام الشرق أوسطى واقتلاع منهجيّات ذلك السلام من جذورها ومسخ الأسس التعاقديّه مع مفاوضيه الفلسطينيين وطمس معالم التراث العربى الاسلامى فى القدس , فإن حرب بوش التى إتخذ منها مجمل مشروعه السياسى كان الهدف منها هو صوره بالكربون من هدف حرب شارون/أولمرت مع استبدال كلمة "الفلسطينيين" بالارهابيين و"السلام الشرق أوسطى" بالسلام العالمى و"التراث العربى الاسلامى بفلسطين" الى التراث العربى الاسلامى حول العالم (مع التقاء الحربين فى كون كلا منهما حرب مفتوحة الأساليب والأدوات والزمان والمكان)واذا كانت حرب شارون/أولمرت تدخل المنطقه فى حالة جمود تطفئ شعلة الأمل فى الاستقرار السياسى بالمنطقه وتسد آفاق التعايش السلمى وتخلق جوّا مفعما بالفزع والهلع من تدهور الحاله الأمنيّه والسياسيّه بالمنطقه مع إغلاق الباب فى وجه المعتدلين العرب بتجريدهم من حيّز المناوره الذى يمكّنهم من التحرّك (وكأن الغرض ليس فقط إملاء الشروط على المتشدّدين العرب بل واذلال وكسر أنف المعتدلين منهم وتحقيرهم وتصغيرهم أمام شعوبهم التى تتّهمهم بالجبن والعماله والخنوع ) فإن حرب بوش تقوم بنفس الشيئ ولكن على النطاق العالمى الأوسع (وفى الحالتين فليشرب من لا يعجبه الأمر من البحر , وليحاول الرافض لهذا التجبّر عمل شيئ ليكتشف أنّه......... يحاول تبليط البحر)واذا كانت أمريكا ترفع شعار العولمه فانّها قد عاملت العرب باستخفاف وإمتهان باستثنائها الشرق الأوسط من الاندماج فى العولمه واسقاطها الدول العربيّه من قائمة المدعوّين لحفل زفاف الكره الأرضيّه على قالب العولمه وتركتهم كالشوفيرات والكماريرات يجلسون تحت الأمطار ووسط الأوحال على ترابيزة بلاج بلاستيك وضعت على الاسفلت خارج قاعة الحفل فى انتظار أن يتم المن علي كل منهم بقطعة جاتوه لم تعجب المدعوّين بالداخل أو بسندويتش فاضى تجاهله المعازيم (وذلك بالطبع حتّى تضمن أمريكا السيطره على منابع النفط التقليديّه فى الخليج والطليعيّه حول بحر قزوين مع ضمان تدفّق النفط بأسعار متدنّيه لها ولحلفائها الأوروبيين الذين أتى الناشطين منهم على رأس قائمة المدعوّين - بينما تم إدراج أسماء الصامتين والسلبيين منهم فى القائمه فى المستوى التالى - )و بالطبع....فلا مانع أيضا من استغلال هذا التمركز المحكم فى سحق وضرب أى منادى بالافلات من قبضة هذه الهيمنه والتمسّك بحقّه فى إقرار مصيره والتمتّع بخيرات بلاده وثرواتها (بل وتصفيته نهائيّا بحجّة تصفية جيوب الارهاب التى تريد تمزيق العالم الغربى المتحضّر....."ياى.....يازلنطحيّه.... يا بيئه..... ياحاقدين على أسيادكم الهاى كلاس"....والنتيجه الحتميّه هى بالطبع استمرار الهيمنه من منظور كوكبى وليس دولى فقط)....فمن ليس مع العم سام بالضرورة ضدّه........ و الخيار لك أنت... بمنتهى الديموقراطيّة و الحرّيةلقد كان علينا أن نستبدل انتظارنا لموضة كل صيف من دور الأزياء الأمريكيّه والاسرائيليّه بانشاء دور الأزياء السياسيّه الخاصّه بنا والتى يجب أن تجعلهم هم الذين يترقّبون موضة ربيعنا كان علينا ان نكف عن سياسة رد الفعل ونبدأ بسياسة دفعهم للرد على أفعالنا ( فالفرق كبير بين المبادئه والانتظار)كان علينا ان نرفض استراتيجيّة الحرب المزدوجه ونحطّم استثنائنا من العولمه باطلاقنا لمشروعنا الاستراتيجى البديل (وهو عولمة الشرق الأوسط والذى لن يتحقّق الاّ بالخطوه الأولى وهى تحديث الأطر السياسيّه الحاكمه للدول العربيّه واستبدالها بنخب وأشخاص ذوو مقدره فعليه ونوايا صافيه وأفق واسعه وحس وطنى وأيدى نظيفه تمهّد لظهور مؤسسات سياسيه حديثه تؤسس لدولة القانون التى هى دولة كل وليس بعض مواطنيها وهو الشيئ الذى لن يتحقق من أساسه الاّ بتوطيد أسس الثقافه السياسيه الحديثه عن طريق بناء الانسان تعليميا ومعرفيا ومعلوماتيا والرفع من حيّز ادراكه , على أن تقوم هذه الأطر السياسيّه الحديثه بمشروعها الازدواجى الخاص بها وهو توازى بنائها الداخلى مع بنائها الخارجى لشيكة تكتّلات اقليميّه اقتصاديّه وسياسيّه وجماهيريّه تندمج تدريجيّا مع تكتّلات أشمل ثم تختار الشراكه الاستراتيجيه مع إحدى القوى الدوليّه التى تتوسّم فيها مقوّمات القطبيّه العالميّه لتعطيها الدفعه اللازمه لها لتبدأ فى اشعال شرارة تفكيك الاطار الدولى الأحادى الذى خلقته أمريكا من اجل تعديل الموازين الدوليه العالميّه وفتح نافذة الشرق الأوسط على الشراكه التعدديه فى صنع القرار وتنفيذ الشرعيّه الدوليه....إذ أنه حينذاك... و حينذاك فقط ستجد اسرائيل نفسها مجبره على التراجع عن سياساتها والانصياع للشرعيّه الدوليّه ممّا سيفرض عليها التعايش السلمى رغم أنفها مع جيرانها بعد لوى ذراعها من أجل ارجاع الحقوق لأصحابها بعد تقييد حرّية ذلك الفتوّه الذى تحتمى به إحتماء الغانية بالبلطجى الذى يقودها )كان عليناو....كان عليناو....كان عليناولكننا......لم نفعل أى شيئ (سوى الإقتتال الداخلى )لماذا؟؟؟!!!!يبدو أنه لا إجابة على التساؤل سوى أننا دول "مقرى" فاتحتنا على أمريكا.... و فى انتظار ليلة "دخلتنا" (إن لم تكن أمريكا قد دخلت بنا و "بنت" علينا و "وطئتنا" و اللى كان كان)....
سلام مربع يا جدع .....
و اللى يحبنا ما يضربش نار